متى ؟

آراء 2023/02/05
...

  وجدان عبد العزيز


الحقيقة معطيات الساحة السياسية الآن، وتحركاتها في اختيار طريق آخر، جعلتنا نحن المراقبين نعيد حساباتنا باتجاه صناعة الأمل في التخلص من أمراض باتت تهدد بناء الدولة العراقية، ومنها مغادرة المحاصصة وعقدة التمسك بالمنصب، فأملنا معقود على فكرة تقول: كلما استقرت الشعوب بدولها فإن منشأ هذا الاستقرار، هو السياق والصيغ، التي استعملت في التفاهم ومحاولة حل 

الإشكاليات السياسية والاجتماعية، بما يحفظ حقوق جميع الأطراف، كمجموعة جعلتها الحتمية التاريخية أن تكون على أرض ما، وضمن وطن حددته الأوضاع الجغرافية، وسبل العيش وحالات التعايش بيت أطرافه، حتى أصبح هذا الوطن كالقدر يرافق الإنسان في رحلة الحياة ومن هذه الصيغ، صيغة الديمقراطية، والتي هي (منظومة آليات محايدة لتداول السلطة وممارستها على أساس الاختيار الشعبي (الانتخابات))، والأساس الذي تستند إليه هذه الآليات ومتخذو القرار الديمقراطي، هو الدستور الذي لا بد منه أن يعبر عن تطلعات الجميع، لأنه جاء تعبيرا 

عن القيم الدينية والإنسانية، فالديمقراطية كمنهج ليس بديلا عن الشرائع والعقائد المختلفة، إنما هي صيغة للتعبير عن الأطر القانونية المعاصرة للبناء والمساهمة في إيجاد حالة الاستقرار، التي أشرنا لها في بداية مقالنا هذا، وكما نعلم أن الشعوب الحية، كما هوالشعب العراقي وبجميع فئاته لا يمنع من الأخذ والاقتباس من المجتمعات، وفق المقتربات المتوفرة، ولذا ارتضى من خلال دستوره الدائم أن تكون الديمقراطية بآلياتها، هي المنهج المطبق في المجتمع العراقي وضمن التعدد التنظيمي المفتوح وتداول السلطة السياسية من خلال الانتخابات الحرة، وضمن منظومة الحقوق والحريات العامة، هذه هي الرؤية، التي اعتمدها النظام الديمقراطي في العراق، ونحن نقر الآن بتنامي هذا الوعي لدى أفراد المجتمع، ولكن ما زالت عقدة الاحتفاظ بالمنصب كوجاهة سياسية واجتماعية.. ـ لا كما أوحت بها صيغ الديمقراطيةـ، بأنها نافذة تكبر بحجم المسؤولية للخدمة العامة وبأن المقياس للنجاح والفشل لهذا المسؤول أوذاك، هو السعي الحثيث في إنجاز المشاريع الخدمية والتنموية لأبناء الشعب، والتي لم ينجزها مسؤول الدورة الانتخابية التي سبقته، أي أن المنصب يصبح بهذا السياق هو وظيفة عامة لتقديم الخدمة للجميع، وفك ارتباط المنصب في الوظيفة العليا من عقدة الوجاهة والاستثمارات الشخصية، التي تعظم عقدة التمسك بالمنصب، وبالتالي تحول الآليات الديمقراطية المحايدة في ذهن المسؤول إلى آليات مفرغة من محتواها المحايد، والحقيقة التي لاشك فيها هي أن الوعي، لا بد من تحفيزه في الاتجاه الذي يجعل هذه الآليات مع المسؤول، الذي جاء من خلالها محايدين، أي الغرض الأساسي الهادف منهما، هو تقديم الخدمة العامة ضمن سياقات دستورية وقانونية مقرة من الجميع.. وهذا يجعل موظف المسؤولية العليا شفافا يُرى من الجميع، أي بمرور الزمن وتنامي الوعي يصبح الإنسان العادي باستطاعته تشخيص حالات خروج المسؤول عن السياقات الضابطة، وبهذا سوف يتكشف الوعي المزيف من الوعي الحقيقي في الساحة الاجتماعية، ويصبح المواطن حاضنة للديمقراطية القادرة على تحقيق العدالة والمساواة، وبالتالي كشف ما هو مزيف منها أوجدته التربية القائمة على أمراض التسلط واستلاب الآخر لحقوقه، تحت مظلة قانونية زائفة خلقتها الحزبية الفردية ذات المصالح الضيقة الطائفية، أو المناطقية.. إذن الديمقراطية بآلياتها المحايدة، لا بد من ارتباطها بالوعي وإدراك النتائج في خدمة منظومة الأفكار وارتباطها بحقوق الإنسان واعتبار الوظيفة، سواء كانت صغيرة، أم كبيرة، هي من أمكنة حفظ المال العام ومن الواجب احترامها من الجميع وأولهم المسؤول، ونرى توجه الكتل السياسية ضمن سياقات الوعي الاجتماعي الضاغط، نحو محاولة التخلص من هذه الأمراض المشار لها، ولكن أنّى هذا؟

وما زالت أمراضنا الاجتماعية في الوجاهة والمحسوبية سارية المفعول، وخاصة في ذهنية المسؤول وتصرفه؟.