الدينار والدولار والفيدرالي بينهما

آراء 2023/02/06
...

 حمزة مصطفى


في تويتر كتبت قبل يومين تغريدة من ست كلمات تلخص من وجهة نظري غير المتواضعة أزمة الاقتصاد العراقي.

التغريدة تقول "الاقتصاد الريعي يبني حيتان ويفلش دولا".

نظريا يفترض أن يكون العراق انتقل بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 من دولة ذات نظام شمولي اقتصاده اشتراكي (القطاع العام) إلى نظام ديمقراطي اقتصاده رأسمالي (القطاع الخاص).

عمليا وبعد مرور عشرين عاما على هذا التغيير بجميع أبعاده السياسية والاقتصادية لم يتم الانتقال إلى اقتصاد السوق، وبات من الصعب العودة إلى النظام الإشتراكي.

وفيما كنا نكابر طوال العقدين الماضيين بشأن إمكانية الإنتقال التدريجي نحو إقتصاد السوق والتخلص من التركة الاشتراكية مرة والعقلية الإشتراكية مرة فإن مانمر به الآن من أزمة على صعيد معادلة الدولار والدينار وبينهما البنك الفيدرالي الأميركي دلل بشكل قاطع إننا أضعنا المشيتين.

فلم نتمكن من تقليد اقتصاد السوق وما يتطلبه من إجراءات ونسينا مشيتنا الاشتراكية القديمة. 

ديمقراطيا وحتى يفوز من يفوز في الانتخابات ويحصل على أعلى الأصوات تسابق الجميع في خلق نوع من العلاقة الزبائنية مع الجمهور، عبر سياسة شراء الأصوات مقابل التعيين في الدولة. 

بعد سنوات أرهقت الدولة بأكبر عدد من الموظفين ربما في العالم بالقياس إلى دولة من 40 مليون نسمة، لديها أكثر من 7 ملايين موظف ومتقاعد تنفق عليهم شهريا بحدود 5 مليارات دولار وربما أكثر.

وأدى هذا الإرهاق المالي الذي يستنزف نحو 70 % من خزينة الدولة، التي تعتمد في تمويل الرواتب على مبيعات النفط إلى إرهاق من نوع آخر يتمثل في البطالة المقنعة في الدوائر والمؤسسات. 

ففي الوقت الذي تدهورت فيه الزراعة والصناعة بسبب اللجوء إلى التوظيف وليس إيجاد فرص عمل في القطاع الخاص، فإن إنتاجية الموظف العراقي تدهورت إلى الحد الذي تبلغ فيه يوميا نحو 18 دقيقة من مجموع ساعات العمل البالغة 8 ساعات. 

كل هذه القضايا والإشكاليات لم تكن تناقش بجدية في الأوساط السياسية بمن فيها الرفيعة المستوى.

بل باتت تسود قناعة إنه فضلا عن عدم توفر إرادة حقيقية في مناقشة مثل هذه التحديات، فإن مافيات الفساد التي توغلت في كل مفاصل الدولة وتغولت فيها بأساليب وطرق مختلفة بقيت تحول دون إيجاد حلول حقيقية لأن مصالحها المالية والزبائنية تتضرر بالكامل. 

واليوم حيث ترتفع أسعار الدولار بسبب النظام الذي فرضه الفيدرالي الأميركي على البنك المركزي العراقي ضرب بحدة الأسواق بعد تدهور قيمة العملة " الدينار مقابل الدولار". 

ولأن العراق يملك خزينا هائلا من الدولار فإن ريعية اقتصاده جعلت عملته الوطنية تعتمد على بيع الدولار في السوق مقابل شراء الدينار لتمويل الرواتب والمشتريات.

وبسبب ريعية هذا الاقتصاد أيضا فإن العلاقة بين الدولار والدينار ليست إنتاجية، بل هي قيمة بضائعية مرتبطة ببيع النفط بالدولار، وهو مايفترض أن يقوي العملة لكنه من أجل عيون النوريين والضيائيين ومن لف لفهما عكس المعادلة بالمقلوب. 

نهرب دولارا ينزل الدينار، نضبط التهريب ويرتفع خزين البنك تشتعل السوق لأن من يتحكم به.. النوريون والضيائيون.