الهان عمر والمكارثيَّة الجديدة

آراء 2023/02/07
...

 صلاح حسن

أقر مجلس النواب الأميركي بأغلبيته الجمهورية تنحية النائبة الأميركية عن ولاية مينسوتا ومن أصل صومالي الهان عمر، من عضوية لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، وقد كان وراء صياغة القرار وتحشيد النواب الجمهوريين لتأييده، الرئيس الجمهوري لمجلس النواب كيفين مكارثي الذي تعهد بعد الانتخابات النصفية للكونغرس وقبل أن يتولى منصب رئاسة مجلس النواب بإزاحة الهان عمر من اللجنة رداً على تصريحات أدلت بها سابقاً في إدانة القمع الصهيوني للفلسطينيين

وتأييد المقاطعة الاقتصادية للمستوطنات الإسرائيلية في الأرض المحتلة، وقولها بأن أنصار إسرائيل في الكونغرس مدفوعون بالمال وليس بالمبادئ، الموضوع الذي روّج له كيفين مكارثي وجماعة الأيباك على أنه انحياز ضد إسرائيل ومعاداة 

للسامية.

بعد التصويت على طردها من لجنة الشؤون الخارجية، صرحت عمر بأن ما تعرضت إليه من تحشيد معادٍ داخل الكونغرس، انبنى على استغلال تغريدات قديمة سحبتها فيما بعد واعتذرت عن بعض مضامينها سابقاً، كذلك تصريحات اعتمد خصومها في اجتزائها وتفسيرها خارج سياقها، وما تتعرض له حالياً عبارة عن مكارثية جديدة، وهنا تحيل النائبة إلى عهد خمسينيات القرن الماضي في 

أميركا وشيوع ماعرف بالحملة المكارثية نسبة إلى جوزيف مكارثي النائب في مجلس الشيوخ عن ولاية ويسكنوسن، وهنا يرد التشابه بالاسم بين رئيس مجلس النواب الجديد، النائب عن ولاية كاليفورنيا كيفين مكارثي، وجوزيف مكارثي الذي قاد الحملة في الخمسينيات ضد ما اعتبره التغلغل الشيوعي في الدوائر الأميركية، إذ اتهم 250 موظفاً في وزارة الخارجية بالعمل لصالح الشيوعية والاتحاد السوفييتي، وتم طرد العديد من الموظفين وزج آخرين في السجن بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولم ينجُ مشاهير أميركا من قمع الحملة المكارثية، كالسياسي مارتن لوثر كنغ والعالم البرت اينشتاين والكاتب ارثر ميللر والممثل شارلي تشابلن الذي اضطر إلى مغادرة الولايات المتحدة إلى انكلترا، وقد خفّت الحملة فيما بعد نتيجة التصدي لها من قبل النخبة المثقفة في أميركا، تعرض بعدها مكارثي للتعنيف والمحاسبة من قبل مجلس الشيوخ ما اضطره للانزواء والوفاة فيما بعد بعمر لم يتجاوز الـ47 

عاماً.

قد يجادل البعض باختلاف ظروف المكارثية القديمة، وافتقار عوامل الشبه معها، بخصوص ما يطرح حالياً عن ولادة مكارثية جديدة، فالخمسينيات كانت العصر الذهبي للشيوعية بعد انتصار الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، وزحف الفكر الشيوعي على مختلف بقاع العالم، كذلك ظهور ماوتسي تونغ في الصين واشتباكه حربياً مع الولايات المتحدة في شبه القارة الكورية، وأيضاً حادثة تهريب أسرار القنبلة الذرية الأميركية إلى الاتحاد السوفييتي عبر المهندس الشيوعي اليهودي الأميركي يوليوس روزنبرغ وزوجته اللذين أعدما فيما بعد، وبذلك يكون من المفروض وبحسب معطيات المنطق السوي، أن تستهدف أي مكارثية جديدة، الصين التي وصفها رئيس الأركان الأميركي الحالي، بالأكثر خطورة من الاتحاد السوفييتي السابق، كون الصراع مع السوفييت كان محصوراً بالجانبين الأيديولوجي والعسكري فقط، أما الصراع الحالي مع الصين فيتضمن إضافة إلى العنصرين السابقين عنصرين إضافيين هما الاقتصادي 

والتكنولوجي.

ثمة معادلة جديدة في الولايات المتحدة تقف بموازاة حجج المنطق السابق بخصوص كينونة المكارثية الجديدة، فأميركا الخمسينيات التي كانت تقود العالم الليبرالي (العالم الحر) هي غير أميركا الحالية مع صعود وتغّول اليمينية الشعبوية التي توجت بصعود دونالد ترامب إلى الرئاسة وامتلاكه لشعبية واسعة في الدوائر الرسمية والشعبية الأميركية، وتبني هذا اليمين لمفاهيم (عنصرية) حول إعادة أميركا إلى سابق مجدها وقوتها بتخليصها من عوالق الضعف.

وفي مقدمتها تراجع العنصر الأبيض لصالح كثافة وجود السود واللاتينيين والمسلمين، ويعد كيفين مكارثي من أشد المؤيدين للرئيس ترامب، إذ يؤمن بقابليته على إعادة قوة أميركا  ووافقه الرأي بتزوير انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، وفي هذا السياق صرحت النائبة الهان عمر بأن استهدافها نابع من كونها مسلمة ومن أصول أفريقية، وهذا الاتهام المكرر لم ينجُ منه أول رئيس أسود في تاريخ أميركا، عندما تم وصفه من أوساط اليمين الأميركي بالرئيس 

المسلم.