الروائية سيدوني كوليت.. أيقونة فرنسا الأدبية

ثقافة 2023/02/08
...

جون سيلف

ترجمة: كريمة عبد النبي

كتبت الصحفية جانيت فلانر تقول “كم من السنين عاشت الكاتبة كوليت حتى بعد وفاتها”. بعد مرور أكثر من نصف قرن على وفاتها، لا تزال الروائية الفرنسية غوليت على قيد الحياة وقد شهدت بداية هذا العام الذكرى المائة وخمسون عام على ولادتها. 

وفي هذه المناسبة صدرت للروائية طبعة جديدة لترجمة روايتين من رواياتها الأولى “شيري” التي صدرت عام 1920 والثانية “نهاية شيري” التي صدرت عام 1926. وقد قام بترجمة هاتين الروايتين بول إيبرل. ويعد صدور ترجمة الروايتين المذكورتين بمثابة فرصة للتعرف اكثر على حياة وأدب هذه الكاتبة التي يعشقها القراء أكثر من غيرها من الروائيين الفرنسيين.

ولدت الروائية في الثامن والعشرين من ينابر/كانون الثاني من عام 1873 بأسم سيدوني غابريل كوليت. وأكتسبت هذه الروائية شهرتها  من أسمها الثالث “كوليت”.

تميزت أعمال هذه الروائية بقصرها ودقتها وقد بقيت أعمالها في الذاكرة لوقتنا هذا لأنها تسلط الضوء على موضوع يتناوله الناس في كل الأزمنة ألا وهو آلام وملذات الحب. وقد كتبت الروائية تقول “الحب بالنسبة لقلمي هو الخبز والزبدة”. وتناولت الكاتبة هذا الموضوع بكل صراحة في روايتها “النقي واللانقي” التي صدرت في عام 1932.

وتعد قصة حياة هذه الروائية الفرنسية وأعمالها واحدة من أكثر القصص المذهلة في الأدب الحديث حيث كانت واحدة من رواد أدب الخيال الذاتي. أكتسبت مؤلفاتها شهرة واسعة وكان الطلب عليها كبيرا من قبل القراء والنقاد على حد سواء. وقد جعلت الكاتبة من حياتها مشروعا لمؤلفاتها بالأضافة الى الغوص في خفايا وخبايا قلوب البشر.


قصة نجاح

كانت الروايات الأربع الأولى التي أصدرتها كوليت تتناول قصص تاريخية حول طالبة مدرسة أسمها “كلودين” إذ تناولت كوليت قصة هذه الطالبة تحت عنوان “كلودين في المدرسة” عام 1900 تتحدث فيها عن حياتها في المنطقة العزيزة على قلبها “بويزيه” الى أن أكملت العشرين من عمرها، “كلودين في باريس” عام 1901، “زواج كلودين” عام 1902، و” كلودين وآني” عام 1903. كتبت كوليت هذه الروايات الأربع بطلب من زوجها الكاتب والناقد هنري غوتييه وهو صحفي عمل تحت أسم مستعار هو “ويلي”. وبعد أن أنتهت كوليت من كتابة هذه الروايات صدرت تلك الأعمال بأسم زوجها “ويلي” ليكتسب بذلك شهرة واسعة بعد أن كان كاتبا مغمورا. 

ومن خلال التقارير التي صدرت وهي تتناول حياة كوليت كانت المفردة المستخدمة لوصف “ويلي” هي كلمة “بائس”، وهو كان كذلك. لكنه مع ذلك قدم كوليت للحياة الثقافية الباريسية إذ من خلاله التقت الكاتبة بشخصيات ثقافية كبيرة في ذلك الوقت مثل مارسيل براوست، موريس رافل، وكلود ديبوزي وأخرين. وقد ساعدت تلك اللقاءات، ولو قليلا، على دعم مبيعات مؤلفاتها الأربعة التي صدرت بأسم “ويلي” حيث كانت المبيعات قليلة في البداية لكنها أرتفعت بعد أن طلب من عدد من الكتاب المقربين بكتابة مواضيع تتناول عرضا لهذه المؤلفات. 

  وبعد صدور الرواية الأولى وتناولها من قبل الكتاب المذكورين، سرعان ما أكتسبت الروايات الثلاث الأخرى شهرة واسعة. كتبت كوليت هذه الروايات وهي لا تزال في العشرين من العمر وقد وصفت الكاتبة تلك الفترة بأنها “فترة التدريب أو التلمذه على الكتابة”. 

بدأت كوليت بقراءة مؤلفات بلزاك وهي في عمر السابعة. وتقول كاتبة سيرة كوليت جوديث ثورمان “لقد أصبحت “كلودين” مراهقة القرن بفضل هذه المؤلفات” حيث نقلت كوليت ما يدور بداخلها في هذه الروايات حتى في وصفها الذي تناولت فيه ليلة زواج كلودين إذ كان  ذلك الوصف عبارة عن تجربة ليلة زواج كوليت نفسها. وأضافت ثورمان “رأينا في هذه المؤلفات الأربعة أول تناول لموضوع الحب والعاطفة في الرواية الفرنسية”.

أنفصلت كوليت عن زوجها “ويلي” عام 1906، وفي عام 1907 أصدرت كوليت رواية “التراجع عن الحب”  تحت أسم “كوليت ويلي” وسعت من خلال هذه الرواية الى إكمال قصة “كلودين وآني”. 

وعلى الرغم من الشهرة الكبيرة لأعمالها، لم تنتفع كوليت من الأرباح التي حققتها مؤلفاتها، بل احتفظ زوجها “ويلي” بكل الأرباح لنفسه. بعد طلاقها، عملت كوليت ولساعات طويلة راقصة في النادي الليلي “ميوزيك هول” من أجل الحصول على المال لتعول نفسها في ظل الحالة التي أصبحت فيها. 


الكتابة عن السلوكيات غير الأخلاقية

في عام 1912 تزوجت كوليت من رئيس تحرير صحيفة “لوماتان” هنري دي جوفينيل. ومن خلال تلك الصحيفة، تمكنت كوليت من نشر عدد من القصص القصيرة وقصص الأطفال والمسرحيات. وقد وصفت كوليت كتاباتها في هذه الفترة بـ (سنوات التلمذة) حيث كتبت رواية “تدريباتي” ثم روايتي “شيري” و “البذور الناضجة” في عام 1923.

تم منع زوجها من نشر سلسلة روايتها “البذور الناضجة” نظرا للصدمة التي شكلتها تلك الرواية لدى القراء لأنها تتحدث عن السلوكيات غير الأخلاقية. لكن بالنسبة لكوليت، فان هذه الرواية مكنتها من الاستمرار والتوسع في الحب والسلطة والجنس.

تحكي الرواية قصة مراهقين صديقين هما فيليب وفينكا تربطهما علاقة صداقة نقية وقوية ، لكن علاقتهما البسيطة تحولت الى صداقة معقدة بعد أن تمكنت سيدة متقدمة في العمر من إغواء فيليب. والقصة هذه نابعة من تجربة كوليت في الحياة . عندما كانت كوليت في سن السابعة والأربعين كانت لها علاقة بأبن زوجها بيرتراند دي جوفينيل. وقد عكست كوليت تلك العلاقة العاطفية وسلوكها مع ابن زوجها في رواية “البذور الناضجة”. صدرت هذه الرواية بين روايتي “شيري” و”نهاية شيري”.

تتحدث رواية “شيري” عن شاب وسيم منغمس في اللذات أسمته الكاتبة “شيري”. ومن خلال تلك الرواية، تصور كوليت مفارقات وأخلاق المجتمع الفرنسي الراقي في أوائل القرن العشرين لتكشف من خلالها لعبة الإغواء والصور النمطية عن المؤنث والذكوري.

ورواية شيري ليست مجرد نص أدبي، فهذه الرواية تعبر عن خلاصة فلسفة الكاتبة واسلوبها الساحر ومجال الطبيعة إذ أظهرت تلك المواضيع مدى عبقرية كوليت في كتاباتها الأدبية. 

عكست مؤلفات كوليت مراحل متلاحقة من حياتها الشخصية وإن تغيرت الأسماء والظروف. وفي مرحلة من حياتها إستخدمت الحيوانات لتصبح شخصياتها المجردة من كل إنتماءاتها وظروفها،ووضعت فيها كل اختباراتها الحسية. بقيت كوليت رمزا للمرأة المعطاء الغزيرة الانتاج المتعددة المواهب حتى آخر رمق من حياتها وهي في سن الواحد والثمانين عاما حين وفاتها في عام 1954.


كاتبة مفعمة بالحياة

كانت كوليت واقعية ورقيقة وفكاهية، حاضرة بشكل كبير من خلال مؤلفاتها في حياة الإناث. تحدثت كوليت من خلال رواياتها عن قوانين مجتمعها وذلك بالحديث عن مواضيع لم يتناولها أحد وقتها في حياة النساء حيث كتبت وفقا لقوانينها الخاصة. 

حين صدرت رواية “نهاية شيري” كانت كوليت في سن الثالثة والخمسين ولا تزال لها القدرة على إصدار المزيد من الأعمال الأدبية الكبيرة. وقد عدت رواية كوليت “النقي واللانقي” واحدة من أفضل أعمالها نظرا للموضوع الذي تناولته تلك الرواية وهو الجندر والجنس. لكن أفضل عمل إشتهرت به الكاتبة بين قراء اللغة الإنكليزية هو رواية “جيجي” التي صدرت عام 1944، أي بعد نهاية الحرب العالمية وتم تقديمها في فيلم سينمائي. تتناول الرواية قصة إمرأة شابة ورجل كبير في السن وهي على العكس من رواية “شيري” التي تحكي قصة رجل شاب وإمرأة كبيرة في السن. وهذه الرواية هي واحدة من آخر الروايات التي  كتبتها كوليت وكانت في سن السبعين قبل أن تصاب بالشلل وكانت قعيدة في آخر حياتها بسبب التهاب المفاصل.

كانت رواية “جيجي” أقصر الروايات التي كتبتها كوليت في بداية حياتها. وعلى الرغم من مرضها، الا أن روايتها هذه عكست نوع من التفاؤل وربما لهذا السبب كانت هذه الرواية الأكثر شهرة. وتم تقديم هذه الرواية على شكل فيلم سينمائي ومسرحية لعبت دور البطوله فيها الممثلة أودري هيبورن والتي اختارتها كوليت بنفسها للعب دور البطولة في هذه المسرحية. 

وعلى الرغم من شهرتها في حياتها، الا أن موتها زاد من شهرتها ليس في فرنسا فقط، بل في أوروبا حيث كانت أول إمرأة تشرف على جنازتها الدولة.


عن موقع الـ بي.بي.سي