علي الوردي وخامنئي وترامب

آراء 2019/04/09
...

نوزاد حسن
سماء أميركا وإيران ملبدة بغيومٍ سوداء ثقيلة، فبعد مطالبة المرشد الإيراني لعبد المهدي أثناء زيارته لإيران بضرورة طرد القوات الأميركيَّة من العراق قررت الولايات المتحدة تصنيف الحرس الثوري الإيراني كـ”منظمة إرهابيَّة” لا يجوز التعامل معها, وجاء في القرار الأميركي “إذا تعاملتَ مع الحرس الثوري فأنت بذلك تمول الإرهاب”.
يا لها من جملة تحذيريَّة قد لا يشعرُ بها رجل الشارع البسيط لكنها عاصفة من كلمات ستعقد موقف الحكومة العراقية التي تريد ألا تقف مع هذا الطرف أو ذاك. وقد صرح عبد المهدي ان العراق لن يكون منصة للاعتداء على أية دولة.
في الواقع بعد متابعتي للقرار الأميركي عدت الى كتاب علي الوردي “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق” الذي قال في جزئه الأول إنَّ “تاريخ العراق متشابكٌ مع تواريخ البلاد المجاورة” هذه أيضاً جملة تحذيريَّة قويَّة فيها الكثير من خفايا السياسة، ناهيك عن انفعالات السياسيين. لكنَّ عراق الوردي الذي تحدث عنه في كتابه كان عراق العثمانيين الذين دخلوا حروباً كثيرة مع الصفويين الذين حكموا إيران منذ القرن السادس عشر. وكان العراق ضحيَّة لتلك الحروب. حاول الوردي أنْ يبين تأثير تلك السياسة والحرب في المجتمع العراقي. لكنَّ الصورة تعقدت اليوم كثيراً. كما أنَّ الوضع السياسي الداخلي غير المستقر بسبب الفساد وسعي الحكومة للقضاء عليه يضعها أمام التزامات وخيارت صعبة.
لكنْ كيف ستواجه حكومة السيد عبد المهدي هذا التطور الجديد والخطوة الأميركيَّة بتصنيف الحرس الثوري على أنه “منظمة إرهابيَّة”؟ ثم هل سينجح البرلمان العراقي في الاتفاق على طرد القوات الأميركيَّة من العراق. وعلى هذا الأساس هل كان علي الوردي دقيقاً في كلامه من أنَّ تاريخنا متشابكٌ مع تاريخ الدول المجاورة. لكنَّ أميركا ليست مجاورة لنا لكي نكون مهتمين لأمرها. قد يطرح هذا السؤال من قبل الكثيرين. جيراننا أولى بأنْ نتفهم موقفهم, وقد يطرح هذا ايضا. لكن هذه العملية الحسابية ليست واضحة. أميركا اليوم تكذب فكرة جوار الجغرافيا الى فكرة المصالح عبر حدود أبعد وأبعد. كما أنَّ الولايات المتحدة هي من أسقطت نظام صدام حسين عسكرياً عام 2003، فهل من المتوقع أنْ يغادر الأميركان بهذه السهولة خاصة بعد ما قاله ترامب إنَّ تواجد القوات الأميركيَّة هو لمراقبة إيران. ولعلَّ هذا ما دفع المرشد الإيراني أنْ يطالب عبد المهدي بطرد الأميركان لأنهم خطرٌ حتى على السياسيين الحاليين والعملية السياسيَّة كما نقلت بعض وسائل الإعلام.
حربٌ كلامية تخفي تحتها غضباً يغلي. وما دام تاريخنا متشابكاً مع دول الجوار فكيف سيبتعد العراق عن هذا التوتر, وكيف سيمسك العصا من الوسط؟ وهل هناك وسطٌ معروفٌ ليمسكه عبد المهدي جيداً. أظن أنها محنة سياسيَّة غير متوقعة فرضتها الجغرافيا وفرضتها كذلك لعبة المصالح الكبرى. لذلك سيجد البرلمان العراقي نفسه أمام تحدٍ جديدٍ بعد قرار ترامب عن الحرس الثوري.