هلْ علاء مشذوب المغتالُ الأخير؟

آراء 2019/04/09
...

 --------جورج منصور
 
 لم تكن عملية اغتيال الكاتب والروائي العراقي علاء مشذوب في الثاني من شباط (فبراير) الماضي، جديدة في مسرح الجريمة الممنهجة التي طالت علماء ومفكري وأكاديميي العراق، ضمن سلسلة تصفيات العقول العراقية التي زادت حدتها بعد العام 2003. ولم تكن الرصاصات الـ 13 الغادرة التي اخترقت جسد القتيل المسالم والأعزل، سوى تهديدٍ مباشرٍ وصريحٍ للتذكير بالخط الأحمر، في إسكات العقل المفكر والصوت الحر والكلمة الجريئة، التي تقول الحقيقة دون رياء أو لف ودوران.
ولا يمكن النظر الى جريمة قتل علاء مشذوب، إلا من خلال ربطها مع ما سبقها من جرائم واختطافات واغتيالات مأساوية طالت العقول العراقيَّة منذ أنْ وضع التحالف الدولي بقياة الولايات المتحدة، قائمة بأسماء أكثر من 15 ألف عالم وأكاديمي عراقي، من “غير المرغوب فيهم”، وتم فصل العديد منهم بذريعة ارتباطهم بحزب البعث، ما حدا بالكثيرين الى الاعتقاد، أنَّ مرد هذه الجرائم والاستهدافات المتعمدة للعقول العراقية ومحاولات تدمير الحياة الفكرية، هو لإبقاء العراق ضعيفاً ومعتازاً للخبرة والاستشارة والجهد الأجنبي.
ومع تدهور الوضع الأمني في العراق بعد الاحتلال في العام 2003، تم قتل عددٍ آخر من العلماء. وبحسب مصادر غير رسميَّة فإنَّ معدل عدد الاغتيالات التي طالت الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين بلغت 650 عملية قتل في الشهر الواحد.
وقد رجح البعض أنَّ السبب في اغتيال العلماء والمفكرين يعود لإبدائهم رغبتهم في العمل مع سلطات الائتلاف التي أقامت مشروعاً حمل عنوان “مبادرة رعاية العلوم والتكنولوجيا والهندسة في العراق”، بعد أنْ خصصت وزارة الخارجيَّة الأميركيَّة مبلغ 20 مليون دولار لمشروع كان هدفه التعرف على باحثين عراقيين سابقين في مجال الأسلحة وتوفير فرص عمل لهم في العراق وإنشاء مركز دولي للعلوم والصناعة في بغداد واستضافة عددٍ من الباحثين والمختصين لإيجاد الطرق الناجعة والعملية لصرف الأموال في عملية إعادة إعمار العراق.
بيد أنَّ ازدياد العنف والاحتقان الطائفي والاستهدافات على الهويَّة، أثارت حفيظة العديد من العلماء العراقيين ووجهوا انتقادات شديدة للمشروع الأميركي، داعين الى تشكيل أكاديميَّة عراقيَّة للعلوم، شريطة أنْ تتبوأ الكفاءات العراقيَّة نفسها الدور الريادي فيها، في حين تلقى عددٌ من كبار العلماء العراقيين عروضاً مغرية من الولايات المتحدة الأميركية للعمل في مؤسساتها الأمنيَّة والبحثيَّة، وحاولت مجاميع أخرى البحث عن ملاذات آمنة في الخارج.
 وكانت حصيلة العام 2005 اغتيال 350 عالمِاً عراقياً. وفي العام 2006 أعلنت وزارة التعليم العالي مغادرة 3250 أكاديمياً الى خارج العراق. حينها قال المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم كويشيرو ماتسورا: “إنَّ مرتكبي هذا العنف، باستهدافهم أولئك الذين يحملون مفاتيح إعادة إعمار وتنمية العراق، يهددون مستقبل العراق والديمقراطية على السواء”.
وتحدثت التقارير الدولية عن أنَّ عدد الاغتيالات التي طالت علماء الذرة العراقيين بين أعوام 2003 - 2008 بلغت 350 إضافة الى 200 ضحية من الأكاديميين وهجرة ما يقارب 17 ألفاً من العقول العراقيَّة الى الولايات المتحدة الأميركيَّة وبقية بلدان العالم. وجاء في تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2008 أنَّ “أكثر من 2200 طبيب وممرض عراقي قتلوا و250 اختطفوا منذ العام 2003، وأكثر من 20 ألفاً من الكوادر الطبية من مجموع 34 ألفاً اضطروا لمغادرة البلاد، بينما اختفى عشرات الآلاف منهم، كما اغتيل عددٌ كبيرٌ من العلماء والأكاديميين، فضلاً عن اغتيال علماء الذرة العراقيين.
وبحلول شهر حزيران (يونيو) عام 2014 عندما قام تنظيم داعش الإرهابي بالسيطرة على مدينة الموصل ومدن وبلدات أخرى، شرع بعمليات التخريب وتهديم المراكز العلمية وإحراق مختبرات جامعة الموصل وقتل مجموعة من العلماء لرفضهم التعاون معه وعدم انصياعهم الى أوامره.
ترى لماذا يغتالون العقول العراقيَّة، وهل سيكون علاء مشذوب المغتال الآخير، ومن هي الجهات التي تقف وراء عمليات إفراغ العراق من علمائه وكوادره المتخصصة وأساتذته؟ أليس من صلب واجب الحكومة أنْ تتقصى أسباب الجريمة وتقدم الجناة الى العدالة وتضع الحلول المناسبة للحد منها؟ أليس من واجبها توفير فرص عمل للكثير من الكوادر العلميَّة والثقافيَّة التي تتوزع في منافي العالم، وتشجيعهم على العودة الى الوطن والمساهمة في إعادة إعماره وتربية أجيالٍ جديدة تتسلحُ بالعلم والمعرفة، لا بالمخدرات التي تنتشر في البلاد وتفتك بشبابه، من دون أنْ تعرف الحكومة مصدرها الحقيقي، وهي التي أعلنت حيرتها من الأمر: هل أنَّ مصدر المخدرات التي تغزو العراق تأتي من الأرجنتين - عرسال اللبنانية فالعراق، أم هي مباشرة من الجارة إيران؟