عبد الحليم الرهيمي
تمر اليوم الذكرى الستون لانقلاب 8 شباط الدموي عام 1963 الذي راح جراءه مئات الضحايا قتلى وجرحى من العسكريين ومن المواطنين المدنيين، الذين هبوا للتصدي للأنقلاب والدفاع عن النظام وعن عبد الكريم قاسم وحكومته التي تشكلت منذ 14 تموز عام 1958، وكان معظم الضحايا مدنيين من الحزب الشيوعي العراقي والقاسميين أي (أنصار عبد الكريم قاسم).
لقد نفذ هذا الأنقلاب بتقدم وحدات عسكرية صباح ذلك اليوم يقودها عدد من الضباط البعثيين وحلفائهم وبقيادة عبد السلام عارف، الذي نصب رئيساً لجمهورية الانقلاب الذي أطلقوا عليه (ثورة 14 رمضان)، وهو اليوم الذي وقع فيه هذا الانقلاب.
والانقلابيون الذين نفذوا الأنقلاب المجزرة الدموية كانوا يهدفون إلى اطاحة حكومة عبد الكريم قاسم وقتله وانصاره واقامة نظام سياسي بديل يقوده قادة حزب البعث وحلفاؤهم من التيارات القومية والدينية الذين ناصبوا انقلاب 14 تموز وحكومة قاسم العداء منذ البدء أو تالياً بعد تضرر مصالح الكثير منهم، وكانت مبررات وذرائع الانقلابيين التي اعلنوا عنها، هي رفضهم لسياسات وممارسات قاسم والحزب الشيوعي العراقي وحلفائهم ومعاداتهم للشعب العراقي.
لقد رافق تطويق الانقلابيين لوزارة الدفاع التي تشكل المقر الدائم لقاسم مع قصف الطائرات للوزارة، ومن فيها وكان قائد سرب الطائرات الضابط الطيار منذر الونداوي، وبعد البيان الذي وجهه قاسم من دار الاذاعة العراقية الرسمية وناشد فيه المواطنين وأفراد وضباط الجيش لـ (الدفاع عن الجمهورية) والتصدي للانقلابيين، بدأت اعداد غفيرة من العسكريين والمواطنين العزل يتوافدون إلى وزارة الدفاع المطوقة من قوات الانقلابيين.
ومع تعاظم القوى الشعبية والعسكرية المعارضة للانقلاب وخشية الانقلابيين من اتساعها وتعاظمها اكثر فأكثر، أصدر رشيد مصلح الذي نصّب حاكماً عسكرياً آنذاك باصدار البيان المشؤوم الذي دعا فيه القوى العسكرية الانقلابية إلى مقاومة (وابادة الشيوعيين)، وذلك حسب البيان الذي صدر عنه وقد اسفر ذلك عن ارتكاب مجزرة دموية طالت الشيوعيين والقاسميين وغيرهم من المواطنين غير الحزبيين، الذين اعادت لهم الثورة وحكومة عبد الكريم قاسم الكثير من حقوقهم وتعاطفوا
معه.
وبعد أن عرف قاسم بفداحة هذه المجزرة الدموية التي ارتكبها الانقلابيون بحق ابناء الشعب بمختلف أنتماءاتهم، وهم كلهم عراقيون وقتل أي واحد منهم جريمة لا تغتفر، قرر قاسم الاستسلام شرط ايقاف المذبحة ضد العراقيين وطلب محاكمته ورفاقه محاكمة
عادلة.
لكن الانقلابيين الذين وعدوه بذلك الشرط ونقلوه مع بقية الضباط الذين كانوا معه بوزارة الدفاع إلى دار الاذاعة العراقية بمنطقة الصالحية ببغداد، نكثوا الوعد وهناك تم اطلاق النار على قاسم ومن معه بعد محاكمة شكلية، وبذلك تم قتلهم كتعبير عن التبادل العنفي والدموي
للسلطة!
ومثلما اسقط الانقلابيون حكومة عبد الكريم قاسم، قامت مجموعة من الضباط بقيادة عبد السلام عارف ايضاً بالانقلاب على الانقلابيين في 18 تشرين الثاني من العام نفسه أي عام 1963، ويبدو ان مقتل عبد السلام عارف عام 1964 باسقاط طائرته (لا زال الفاعل مجهولاً) فقد توقف مسلسل الانقلابات الدموية، التي يقودها لنحو خمس سنوات حيث تمكن حزب البعث هذه المرة ايضاً من استلام السلطة بانقلاب تواطؤ فيه مع حمايات القصر الجمهوري، حيث سلم الرئيس عبد الرحمن عارف شقيق عبد السلام الرئاسة والسلطة، وتم تسفيره إلى تركيا، وبدأ الحكم البديل لحزب البعث الذي سيتسم بالثأر وعمليات الانتقام والتي مهدت لاستلام صدام للسلطة عبر انقلاب عسكري تم على مرحلتين في 17 و 30 تموز عام 1968 وهو الانقلاب، الذي مهد لاستلام صدام وأنصاره من البعثيين وغيرهم للسلطة عام 1979، التي استمر بها حتى عام
2003.
إن المجزرة الدموية التي ارتكبها انقلابيو 8 شباط 63 هي كالمجزرة الدموية التي وقعت في قصر الرحاب، التي نفذها بعض الضباط صباح يوم 14 تموز 1958 بحق افراد العائلة الملكية من اطفال ونساء ورجال كان في مقدمتهم الملك الشاب فيصل الثاني (عمره آنذاك 23 عاماً)، والذي كان يمثل رمز الدولة الملكية العراقية، وآخر ملوكها التي تأسست عام 1921.
ورغم مرور 60 عاماً على مجزرة انقلاب 8 شباط 63 ومرور 65 عاماً على مجزرة العائلة الملكية في قصر الرحاب، فأن أحداً لم يتقدم حتى الان لا من الادعاء العام ولا من الحزب الشيوعي والقاسميين، ولا من ورثة العائلة الملكية بالمطالبة أو الادعاء لمقاضاة ومساءلة من قام بالمجزرتين، وفق ما تقول القاعدة الفقهية القانونية.
ان لكل جريمة عقابا، وهاتان الجريمتان مرتا بلا عقاب!
إن القيام بذلك، وان كان صعب التحقق عملياً، إلا إن لإثارته والاهتمام به سيشكل درساً وعبرة ورادعاً لمن يرتكب المجازر واستخدام العنف في الصراع السياسي وفي تبادل وانتقال
السلطة.