أ.د عامر حسن فياض
كيف يتعامل الديني مع الشأن السياسي وكيف يتعامل السياسي مع الشأن الديني؟ سؤال شغل الكثير من المهتمين وغير المهتمين بالشأنين. والعلاقة السليمة بين الشأنين تخرج عندما يصبح من المألوف، وكذلك من المقبول أن يتجوهر الديني (مؤسسات ومرجعيات) بالشأن السياسي، ولكن من غير المقبول أن يتبرقع السياسي (مؤسسات ورجال) بالشأن الديني. تلك هي المعادلة المعقلنة التي ينبغي أن تحكم وتتحكم بالعلاقة بين الشأنين الديني والسياسي.
وبقدر تعلق الامر بالشأن العراقي المعاصر فالملاحظ، دائماً وباستمرار، أن معظم قيادات النخب السياسية العراقية، وعندما تعجز عن تأدية الوظائف والمهام السياسية المطلوبة منها، هي التي تذهب، بلا دعوة وبدون استدعاء، تستنجد بالمرجعية الدينية. فنرى ونتلمس أن الأخيرة دائماً تتألق وتتجوهر في الشأن السياسي العراقي فترشد، ليس فقط، النخب السياسية العاجزة بل وغيرها أيضاً، إلى ماهو صائب بشكل عام ومقبول من قبل الجميع بشكل تام.
والمرجعية في تجوهرها السياسي هذا تتمنى لو يعلن العاجزون، بشجاعة، عن عجزهم ويغادرون الحياة السياسية لغيرهم قبل اللجوء اليه، لأنها كانت ولا تزال تنأى بذاتها عن الانشغال بالتفاصيل الخاصة بالحياة السياسية وهمومها اليومية.
فالعيب إذاً لصيق بالنخب السياسية العاجزة.. ذلك العيب المتمثل بالإلحاح على العجز بإمتياز دون التفكير، ولو لمرة واحدة والى الأبد، بالتنحي والاستقالة وهجران العمل السياسي المبرقع بالدين لصالح أهل السياسة الحقيقيين، الذي عندما يعجزون عن تأدية وظائفهم يهجرون، بلا تردد ميدان السياسة لغيرهم من أهل السياسة الحقة.
مما تقدم يبدو لنا أن التوصيف الحقيقي والتفسير الموضوعي للعلاقة المعاشة بين السياسي والمرجعية عندنا لا تنطبق عليها وصفة العلاقة الإيجابية بين الديني والسياسي، كما لا تنطبق عليها وصفة العلاقة السلبية بينهما، وكذلك أيضاً، لا تنطبق عليها وصفة الهيمنة للديني على السياسي أو وصفة الهيمنة بالعكس، إنما تنطبق عليها وصفة علاقة العاجز (السياسي) عن تأدية وظائفه السياسية بالمتمكن والمتألق (المرجعية) من تأدية وظائفه الدينية والحياتية في شؤون العبادات والمعاملات.
إن المطالبة هنا بمقبولية التجوهر السياسي العام للمرجعية، وعدم مقبولية التبرقع بالدين عند السياسيين هي دعوة للتمايز الوظيفي بين الديني والسياسي. وهذا التمايز لا يعني الفصل والقطيعة بين الدين والسياسة، ولايعني الدمج والتماهي بين وظائفهما، إنما يقر ويعني فقط، رفع ومنع التداخل القائم على الهيمنة المتبادلة بينهما... فلا السياسي يهيمن على وظيفة الديني، ولا الديني يهيمن على وظيفة السياسي. لأن كل طرف يدرك وظائفه وتكاليفه، التي ينبغي عليه تأديتها دون الغلبة والتهيمن من أحدهما على وظائف وتكاليف الآخر.
كل ما تقدم لا يعفي أهل العقل والحكمة من ضرورة المراجعة النقدية وإعادة المراجعة النقدية لماهية العلمانية من حيث مفهومها، ومن حيث صيرورتها التاريخية، ومن حيث مساحات ربوعها الشاملة والجزئية في الحياة المجتمعية، لإزاحة وهم الفهم الأحادي لها، الذي يشير إلى أن العلمانية تعني العدمية الدينية عند أنصارها، وتعني بالمقابل التمسك بالعقيدة الإيمانية فقط عند خصومه؟!!. بكلمة أدق أن العلاقة بين الشأنين الديني والسياسي ستكون نافعة وصحيحة وسليمة ومجدية بل ومطلوبة عندما تخلو من الهيمنة والغلبة من أحدهما على الآخر وتقوم على التمايز الوظيفي بين وظائف المؤسسة الدينية ووظائف المؤسسة السياسية.