في انتظار جاسم الأسدي

آراء 2023/02/09
...

  نرمين المفتي 

 

حتى كتابة هذا المقال في يوم الثلاثاء

 (7 - شباط) صباحا، لا يوجد أي خبر جديد عن الناشط البيئي ومؤسس منظمة (طبيعة العراق) ورئيسها، المهندس جاسم الاسدي، الذي اختطف صباح يوم الاربعاء الماضي وكان في طريقه إلى بغداد، كما أكد شقيقه ناظم الأسدي في تصريحاته، سوى بيان، اصدره الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة، وجاء فيه أ الاجهزة الامنية المختصة تتابع "وبشكل مكثف موضوع اختطاف واقتياد المواطن (جاسم الأسدي) على طريق بغداد - الحلة، للوصول إليه واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق مرتكبي هذا الفعل الإجرامي مهما كانت انتماءاتهم. إن هكذا مواضيع خارجة عن القانون لا يمكن التهاون معها في ظل حكومة تفرض سلطة القانون وتتعامل مع الجميع على حد سواء"، واضاف، انه في "الوقت الذي نستذكر فيه دور السيد جاسم الأسدي في حماية بيئة الاهوار، نهيب بأبناء عشائر بني أسد التي عرفت بمواقفها الكبيرة والاصيلة، بالحكمة وفسح المجال امام سلطات انفاذ القانون لممارسة مهامها بمهنية للوصول إلى الجناة والقبض عليهم وايقاع أقصى العقوبات بحقهم". 

ويبدو واضحا أن البيان قد صدر بعد أن طالب امير بني اسد (سالم الخيون الاسدي) من خلال منشور على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الاحد الماضي، اي بعد اربعة ايام تقريبا من حادثة الاختطاف، ناشد من خلاله رئيس مجلس الوزراء "للتدخل شخصيا بالايعاز لجميع الاجهزة الامنية للبحث عنه" وطالب افراد القبيلة، بمعنى العشائر والأفخاذ، بالتجمع في الكرادة عصر الثلاثاء "لوقفة احتجاجية سلمية" للمطالبة بالبحث عن جاسم الاسدي. 

ولمن لا يعرف جاسم الاسدي،66 سنة، فهو مهندس هيدروليك (مختص بالري والمياه) من أهوار الچبايش وكانت والدته قد ولدته في مشحوف. عُرف كناشط بيئي بعد الاحتلال، خاصة انه مبكرا جدا بعد نيسان 2003، بدأ يطالب باعادة الحياة إلى الاهوار التي كان النظام السابق قد جففها. وأثمرت جهوده سواء من خلال تعاون منظمات مدنية دولية خاصة وعراقية، وبدأت الاجهزة الحكومية باحياء الاهوار التي عاد اليها اهلها المعروفين باسم (عرب الاهوار). ومن خلال منظمته (طبيعة العراق) عمل ويعمل بجهد وجد للمحافظة على طبيعة العراق وثرواته الحيوانية، المحلية والمهاجرة، والنباتية والتي بعضها نادرة جدا. وأصدر كتابا ضخما بالصور والمعلومات عن هذه الطبيعة من خلال التعاون مع منظمات دولية وشركة نفط الجنوب. وفي ايلول الماضي، وفي مهمة صحفية عن الجفاف الذي يهدد الاهوار، رافقنا الاسدي وكان يشير بألم إلى عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بهذه المنطقة المهمة تاريخيا وسياحيا. وذكر ان قانون الامن الغذائي، مثلا، خصص اموالا لتعويض الفلاحين الذين تضرروا من الجفاف ولم يلتفت إلى سكنة الاهوار الذي قضى الجفاف على رزقهم من خلال صيد الاسماك، وأصبحوا يفقدون جواميسهم والتي تشكل مصدر رزقهم ايضا. ورأينا الاستقبال المرحب به من الاهالي الذين التقيناهم، سواء الذين كانوا لا يزالون يعيشون في الاهوار التي انخفض مستوى المياه فيه كثيرا حينها، أو اضطروا إلى الاستقرار مؤقتا على اليابسة. يعرفه الصغار والكبار وهو يعرفهم جميعا وبالاسماء ويعرفه الصحفيون العراقيون والاجانب، الذين يساندون جهوده في احياء الاهوار وادامة حياة اهله والمحافظة على الحياة البيئية المتميزة والنادرة فيها. وكان اسمه قد تردد كمرشح لوزارة البيئة، لكننا نعرف أن المحاصصة لا تفسح مجالا لاهل الاختصاص، رغم انه شخصيا لم يكن من طلاب المناصب والالقاب، فهو مغرم بالبيئة العراقية، الاهوار خاصة، فضلا عن افكاره الرائعة لكيفية تحويل المنطقة إلى سياحة تدر أموالا هائلة في خزينة الدولة. ونسأله سبحانه السلامة لجاسم الاسدي وكل ما عداها من قضايا، ان كانت هناك اية قضية، في الامكان حلها..