قانون حق السكنى للزوجة المطلقة بين الحقيقة والواقع

من القضاء 2023/02/11
...

القاضي رياض نوري خلف
في 1/ 1/ 1983 شرَّع القانون رقم 77 لسنة 1983، قانون حق الزوجة المطلقة في السكنى من قبل مجلس قيادة الثورة المنحل وقد جاء في الأسباب الموجبة لهذا القانون (لوحظ أنَّ كثيراً من الزوجات يبقين بلا مأوى بعد طلاقهنَّ أو تفريقهنَّ، لذلك فإنَّ العدالة تقتضي بأنْ تُمنَحَ الزوجة التي يصدر حكمٌ بطلاقها أو تفريقها حق البقاء في الدار أو الشقة التي تسكنها مع زوجها... الخ)، ولهذه الأسباب شُرِّعَ هذا القانون الذي يتألف من 7 مواد، وتتصدى المحكمة (محكمة الأحوال الشخصية) لهذا الحق عندما تنظر دعوى الطلاق أو التفريق بين الزوجين وأنَّ مدة بقاء الزوجة المطلقة في الدار هي ثلاث سنوات، فقد جعل المشرِّع هذه المدة كافية ليتسنى للزوجة خلالها تهيئة مسكنٍ يؤويها.. فتبقى في الدار بعد طلاقها هذه المدة ولها أنْ تُسكِنَ معها أحد محارمها بشرط ألا يكون بين من يعيلهم الزوج من المقيمين معها أنثى تجاوزت سن الحضانة، مع مراعاة ما جاء بهذا القانون والذي أراد من خلال بنوده دفع الضرر عن الزوجة والبقاء في الدار مدة ثلاث سنوات حتى تستطيع في هذه الفترة تهيئة مسكنٍ لها يؤويها.

إلا أننا نرى أنَّ هذا القانون مفرغ من محتواه عملياً وقد يناقض حريَّة التملك وتدخلٌ صارخٌ في حق الزوج وفي ملكيته الخاصة، لا سيما أنَّ الملكيَّة الخاصة مصونة وفقاً للدستور ولا يجوز التعدي عليها أو المساس بها، وقد نصَّت المادة (23) من الدستور لسنة 2005 على (أولاً: الملكيَّة الخاصة مصونة ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها في حدود القانون)، وقد نصَّت المادة (1050) من القانون المدني النافذ على أنْ (لا يجوز أنْ يحرم أحدٌ من ملكه إلا في الأحوال التي قررها القانون أو بالطريقة التي يرسمها).

فالطلاق وكما عرفته المادة (34/ أولاً) من قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل (هو رفع قيد الزواج بإيقاع من الزوج أو من الزوجة إنْ وكلت به أو فوضت أو من القاضي...) فالزوجة بالطلاق يرفع عنها قيد الزواج وتصبح هي أجنبيَّة عن زوجها بعد اكتساب قرار الطلاق الدرجة القطعيَّة وانتهاء عدتها الشرعيَّة، فتعامل معاملة المرأة الأجنبية ولا يحق له مراجعتها إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين، فكيف والحال هذه يفرض القانون على الزوج إبقاءها في داره ومسكنه لمدة ثلاث سنوات ولها فوق ذلك أنْ تُسْكِنَ معها أحد محارمها.

وإننا نرى أنَّ تشريع هذا القانون جاء في ظروفٍ قد تلائم بعض الحالات الاستثنائيَّة التي شهدها البلد آنذاك من سوء الوضع الاقتصادي وصعوبة إيجاد مسكنٍ حينها، وما نراه اليوم في هذا الحق المفروض على الزوج إلا صورة من صور التعدي على الملكيَّة الخاصَّة من الغير، لا سيما أنَّ الزوجة أصبحت أجنبيَّة ولا تربطها أي علاقة عقديَّة مع الزوج وتحميل الزوج عبئاً مالياً ومادياً طيلة فترة الثلاث سنوات وأنَّ أغلب الزوجات المطلقات وأمام محاكم الأحوال الشخصية لا يأبهن بهذا الحق ودائماً ما يقمن برفضه وعدم المطالبة به لأنهنَّ يشعرن بقرارة أنفسهنَّ أن الزوج أصبح غريباً عنهنَّ وأجنبياً ولا تريد أنْ تبقي أي صلة به إلا إذا أردن بعض الزوجات من استعمال هذا الحق للإضرار بالزوج والتضييق عليه والتعسف في استعماله، فحقوق الزوجة المطلقة مصونة من حيث الشريعة والقانون فحق نفقتها الماضية وحقها في التعويض عن الطلاق التعسفي إنْ وجد مصونٌ وحق الحضانة وأجورها ونفقات أطفالها كلها مصونة شرعاً وقانوناً ولا إشكاليَّة تظهر في فرضها والمخاصمة بها إلا أنَّ حق السكنى هو حقٌ مجردٌ من أي سندٍ قانوني أو شرعي سوى أنَّه يضيف إشكاليات متعددة على المحكمة التي تنظر الدعوى ومنها عائديَّة الدار أو المسكن وصعوبة الإثبات والجذب والشد الذي يقوم به الطرفان وما الى ذلك من صعوبة في تنفيذ الفقرة الحكميَّة الخاصة بحق السكنى فنرى أنَّ كثيراً من الزوجات لا يسكنَّ الدار ويتركنها خالية ويذهبن الى دار أهلهنَّ والذي من المؤكد أنهم لا يتركونها من باب الوازع الديني والعشائري وصلة الرحم، فنرى أنَّ هذه الحق لا يمكن إسناده لمبدأ ومصدر العدالة الذي أشارت إليه الأسباب الموجبة لتشريع هذا القانون والتي أشرنا إليها سلفاً، فنحن نرى أنَّ إسناد هذا القانون لمبدأ العدالة تكون والحال هذه عدالة مفروغة من محتواها وما أراده المشرِّع من خلالها فهي عدالة غير موجودة على أرض الواقع ولا يوجد لها أي مبررٍ من خلال فرض هذا الحق، بل العكس إنَّ هذا الحق يزيد الأمور تعقيداً بعد الطلاق أو التفريق وحيث لا يمضي كلٌ منهم الى حال سبيله بل يبقى هذا القيد مفروضاً على الزوج جبراً ومسيراً فيه لا مخيراً، ونرى أنه وبصورته هذه إثراءٌ بلا سببٍ على حساب الزوج وتعدٍ على حقٍ من حقوقه الماليَّة وذمته المستقلة.

لذلك نرى أنَّه قد حان الوقت لإلغائه من خلال السلطة التشريعيَّة والتي تمتلك هذا الحق والله من وراء القصد.