الرقص على الجراح

الصفحة الاخيرة 2023/02/11
...

جواد علي كسار



الكوارث مناسبة عظيمة لرؤية عطاء الإنسان وما تفيض به نفسه من خير، فحيثما كانت الكوارث طبيعية وغير طبيعية، كان عطاء الإنسان.

ما زلتُ احتفظ في دفتر ملاحظاتي بوقائع مدهشة تحكي أيام وباء كورونا، صور نبيلة للتعاون الإنساني شرقاً وغرباً وفي كلّ مكان، لرفع احتياجات الناس عبر العمل التطوعي، وتهيئة الأدوية ووجبات الطعام، لا سيما للمعوزين وكبار السن، مما شهده العالم أجمع، ومنه بلدنا. 

عاد ذلك ليتكرّر اليوم مع فواجع الدمار الهائل بعد زلزالي تركيا وسوريا، في مشاهد تُظهر التحامي الإنساني والتناخي الخيّر في تقديم العون للضحايا، لمن هُم تحت الأنقاض أو لمن خرج سالماً يبحث عن استقرار وملاذ، شاركت به كثرة غالبة من البلدان، كلّ بما يستطيع وما يقدر عليه. 

بديهي قد يصطدم هذا السيل المتزاحم من مكارم الإنسانية في العطاء، بمعوقات فنية وإدارية وتنظيمية، لا سيما في مثل قضية معقّدة كالزلزال، بما تتطلبه عملية الإغاثة من جوانب فنية وأجهزة وأدوات اختصاصية قد لا يقوى على الكثير منها عادةً إلا المدربون، وفي بعض المواقع الماهرون منهم وحسب، فضلاً عن المشكلات الإدارية والتنظيمية التي قد يؤدي إهمالها وتجاوزها إلى الإرباك، وربما إلى أضرار تزيد من معاناة المفجوعين. رأيتُ من يقحم السياسة ويتحدّث عن فارق في حجم الإعانات ومستوى الإغاثة بين سوريا وتركيا؛ فالكارثة وإن كانت إنسانية بامتياز، إلا أن للسياسة دون ريب آثارها المخرّبة، التي تدفع ثمنها الشعوب. وإلا أَ فلم يدفع الشعب العراقي في الحروب والعقوبات والحصار، ثمن قرارات النظام الساقط وسياساته؟ وأَلم يتكرّر ذلك في معاناة الليبيين والسوريين والإيرانيين، وهم يتحملون برضا أحياناً وبعدمه غالب الأحيان، أثمان أمزجة أنظمتهم وقرارات سياسييهم؟!. بودّي أن أقف في هذه الكارثة مع موقعين يعكسان برأيي، حالة مقزّزة من الرقص على جراح المفجوعين وآلامهم، تماماً كمن يضحك فرحاً في مجلس عزاء، أو يهزل ويُمارس السخرية أمام مريض محتضر ينازع الموت. من أقصدهم هم فئة من المؤدلجين وأخرى من الميتافيزيقيين، ممن يروّجون لبضاعتهم في سوق الكوارث والمواجع الإنسانية؛ وهؤلاء على فئتين، تؤدي الأولى «وظيفة» لمن يُشغلها ويدفع لها الثمن، والثانية مؤمنة حقاً وهي تؤول الكوارث بتأويلاتها الأيديولوجية والميتافيزيقية الفاسدة. من أسوأ ما اطلعتُ عليه للمؤدلجين، تفسير أحد «الدكاترة» لزلزال تركيا، بأنه تعبير عن مخطط أميركي خفي، قامت به واشنطن بتفجير نووي سري ومحدود من داخل قاعدتها في «انجرليك» التركية، أو من مكان ما في البحر المتوسط، فأدى إلى كارثة الزلزال!. هذا وأمثاله من المؤدلجين الموظفين أو المقتنعين، يحبّ أن يقدّم خدمة جلية لمشروعه في معاداة أميركا، وهو في الحقيقة يرقص على أشلاء الضحايا ويقيم حفلاته الأيديولوجية الماجنة على أوجاع الناس ومعاناتهم، وما أعظمها من جريمة!.