مُحاكاة الطَّبيعة في أعمال عماد جبّار

ثقافة 2023/02/11
...

 زهير الجبوري 


منذ فترة ليست بالقصيرة والفنان التشكيلي عماد جبار يشتغل في منطقة تبدو مألوفة للوهلة الأولى، ألا وهي (محاكاة الطبيعة)، لكن ما يثير الانتباه أن رسم الطبيعة غَير محاكاتها، لأنَّ المسألة ترتبط بطريقة اشتغال الطبيعة ذاتها من خلال ايجاد ثيمات بارزة وعلامات تمثل مفارقة في قراءتها، بمعنى وجود قصديّة حسّاسة اشتغل عليها الفنان وقام بإبرازها عن طريق ثنائيّة اللون والمضمون، والفنان ذاته لا يريد الّلعب خارج منطقة المناظر التي تحاكي تفاصيل العيش في أجواء الطبيعة، حيث محاكاة الماء والسماء والأشجار والمشاحيف وبعض الحيوانات المرتبطة بها كالطيور بأنواعها كافة، يمثل انعطافة جدلية في التفكير في هذه المساحات وما تحمله من دقائق حساسة وممتعة وجاذبة، وهي في الوقت نفسه تعكس رؤية الأشياء المرتبطة مع بعضها لتعطي تكامليَّة المشهد المشتغل عليه. 

ولعلَّ سائلاً يسأل، ما الجديد في رسم الطبيعة؟ 

أقول: ثمّة أشياء يلتقطها الفنان عبر منظوره الخاص ويضيف لها أشياء من مخيلته ليخرج بنتيجة واضحة وبارزة، حينها تكتمل أبعاد اللوحة عنده لينفذها.

الفنان عماد جبار، دائما ما يلتقط المناظر الهامشيَّة في رسم الطبيعة، وهي ميزة معبرة ومثيرة، حيث توصلنا تفاصيل كلّ لوحة إلى مستوى التحليل لأبعاد الأماكن، إذ نشاهد في إحدى لوحاته أنه إلتقط منظراً مؤطراً بالنخيل وماء النهر وزرقة السماء، غير أن القصب بلونه الأصفر عكس انعطافة كسر مألوفيَّة الشكل أو أفاض جماليَّة خاصة، فضلاً عن وجود انعكاسات لونيَّة مثيرة، بمعنى أن رسم الطبيعة يحتاج إلى ألوان الطبيعة ذاتها، إذا كانت تعكس صراحة واقعها، لذا كانت الألوان الحارة والمضيئة والبارزة هي الواضحة أمامنا، وقد استثمرها الفنان في مباشرة الأشكال، وفي غيرها من أساليب الرسم.

ففي لوحة أخرى نشاهد الرجل الواقف في مشحوفه في منطقة مائيَّة يبدو أنّها منطقة في أهوار جنوب العراق، ما تدهشنا في طريقة استخدام الألوان والضربات الدقيقة لشمس النهار، وكيف شكلت تضاداً مع ظل الرجل ومشحوفه في المسطح المائي، وغيرها من اللوحات الأخرى التي تعطي الموضوع ذاته.

ولم يحسر الفنان تجربته في هذا الموضوع، أعني اشتغاله في عالم الزيت والفرشاة، إنّما له اشتغالات نحتيَّة في الموضوعة ذاتها، استخدامه مواد البرونز والخشب وبعض المواد المتاحة، وهي تجربة لازمت اشتغاله في موضوعة الطبيعة ومحاكاتها.

وأزعم أني شاهدت ذلك منذ أكثر من عقدين ونصف أثناء مشاركة الفنان في المعارض الجماعيَّة التي يشارك فيها في مدينته الحلة أو باقي المدن العراقيَّة الأخرى.

من جانب آخر، الفنان عماد جبار ملهم بنحت الأجساد (الأنثويَّة والذكوريَّة)، وكذلك الرقم الطينيَّة والشخصيات الأسطوريَّة (كلكامش وأنكيدو) والتاريخيّة (حمورابي) و(مردوخ)، وغيرها.

هي رغبة ثقافيَّة متنوّعة استطاع من خلالها أن يطرح مشروعه الفني التشكيلي في جوانب عديدة، وهي تحسب له لأنَّ الفن التشكيلي عالم واسع وغير راكد وباستطاعة أيِّ فنانٍ تقديم ما يمكن تقديمه، لذا كانت تجربة الفنان المتنوعة معبرة عن رؤية واسعة للأشياء ومستمرة في العطاء.

التشكيلي عماد جبار، أنجز مؤخراً لوحات تشكيليَّة زيتيَّة قد تكون مشروعاً لإقامة معرض شخصي، ومن خلال متابعتي له ولتجربته هذه، فإنّي أحسب أنّ ما أنجزه هو امتداد لتجربته التي عرف بها والتي قدمته للجمهور كفنان يلامس الطبيعة ويناقش تفاصيلها المبهرة، ما عليه سوى طرح هذه التجربة لتصبح عيانيَاً بمواجهة الجمهور.