المدير العام إذا طغى

آراء 2023/02/12
...

 حسب الله يحيى 

يأتي عددٌ كبيرٌ من المدراء العامين لاستلام وظائفهم، وهم مكبلون بعدة قيود أبرزها:

الوظيفة، بوصفها غنيمة، والوظيفة، بوصفها وجاهة وسلطة وبيروقراطية، والوظيفة، بوصفها ارضاء وتلبية واستجابة وولاء للجهة التي رشحته لاشغال وظيفة مدير عام.واذا كانت الغنيمة والوجاهة والسلطة والبيروقراطية وكسب رضا فئة دون سواها؛ هي محور الذهنية التي يدور حولها المدير العام، من دون أن تكون له تجربة سابقة حتى في اداء وظيفة بسيطة

 بمعنى أنه لم يصل إلى هذا الموقع على وفق التسلسل الاداري، وهو الامر الذي يجعله خاليا من التجربة والشهادة والمعرفة بتفاصيل عمله، وبدلا من الانفتاح على أصحاب التجارب والمعرفة السابقة للعاملين معه؛ يلجأ إلى أبعادهم أو نقلهم أو تصفيتهم بشتى الطرق، وانقاذ نفسه من رصدهم لاخطائه، وخشية أن يتحولوا إلى معلمين ومرشدين له، فيما يبدو (قزما) امام خبراتهم وشهاداتهم، وهذا ما لا يطيقه ولا يحتمله ولا يقبل به، ذلك أن تسلم المنصب قصدا وتحديدا بنفسه كونه الاكثر علما ودراية وخبرة من الآخرين، الذين يفوقونه علما ومعرفة وشهادة وخبرة!

أولئك الذين لا يريد كسبهم بالمحبة والتعاون؛ وإنما يريد اخضاعهم باوامر صارمة حتى يدلل على مركزيته وحصر كل صغيرة وكبيرة بين يديه. وهذا الأمر الذي يحيط عمل سواه من العاملين، يسعى لتحويلهم إلى ادوات الية، تنفيذية، من دون مناقشة لمدى صحة أو خطأ أي اجراء 

يتخذه.

إنَّ هذا السلوك المهيمن من دون دقة ولا خبرة  من شأنه أن يجعل عدداً من الموظفين يتخذون اسلوب النفاق والولاء الفارغ وتلبية كل ما يريده المدير العام في الحق والباطل على حد سواء، من دون أن يتصدى أحد لإرشاده بأخطائه.

في الوقت عينه يختار البعض الاخر من الموظفين، سبيلا اخر للنقل والتنسيب إلى دوائر اخر، بدلا من معارضة غير متكافئة بينهم وبين المدير العام، فالكفاءة والخبرة والقيم النبيلة للموظف لا تصلح لايجاد جسور بين الطرفين. إن الموظف الجيد لا يملك سوى كفاءته وقيمه الوظيفية النقية والتي تتحول في أحيان كثيرة إلى عبء عليه، وقد تكون سببا في عداء المدير العام والمنافقين معه، فمثل هذه الحالة تكشف عن جهل وامية وانانية من يتولى الامور من دون مراجعة ولا مناقشة، فالفشل يلصق بالموظف والنجاح يلصق بالمدير العام عادة!.

إن المدير العام الذي لا يريد أن يناقشه موظف كفء، ولا حريص ولا نزيه ولا صاحب خبرة؛ هو مدير فاشل بكل تأكيد، ذلك انه يجعل كل الصفات والاعمال محصورة بين يديه بدعوى حرصه، فيما هو يتخذ اجراءات انانية وتعسفية يهمش فيها كل العقول ويحاصرهم بشتى السبل، ويوجه اليهم تهما باطلة عن طريق اصغائه إلى المنافقين الذين يزرعهم بين صفوف الموظفين.

سلوك كهذا لا يجعله أمنا من سرقات واخطاء وهفوات واجراءات غير قانونية، فالمدير العام لا يقبل الجدل في الاصغاء إلى الرأي الاخر من الموظفين الذين قد توجد بينهم خلافات شخصية، كما أنه لا يمكن أن يخفي ما يتخذه بطريقة انانية بحصر استخدام سيارات الدائرة الرسمية لشخصه فقط أو جعلها مركونة واستلام مخصصات وقودها من دون ان تتحرك من اماكنها، مثلما يتسلم مثل هذا المدير العام مخصصات مالية عالية لمكتبه الخاص، في وقت يحول دون صرف اية مبالغ مهما كانت ضئيلة للنشاطات التي تقوم بها هذه الدائرة أو تلك، مثلما يغدق الاموال وبالدولار على ايفادات لا ضرورة لها ابدا، ولا تجني منها دائرته اية منفعة.

المدير العام عندنا يمكن ان ينتقل من دائرة إلى اخرى في الوزارة نفسها أو سواها، بوصفه الاصلح والانفع لجميع المواقع والمهمات دون سواه من خلق الله، مدعوما من هذه الجهة أو تلك، ولا ضرورة ان تكون له خبرة أو شأن في هذا الميدان أو ذاك ؛ ذلك أن الادارة كما يعتقد هو وسواه من خلانه، مجرد سلطة سياسية، يراد بها الهيمنة والاذلال والولاء الكاذب وحصاد المنافع، بالتعاون مع عدد من الوكلاء والمنافقين الذين ينقلون للمدير العام كل صغيرة وكبيرة من دون وازع لضمير وقيم، إلى جانب كاميرات المراقبة المزروعة في كل غرف الدائرة!

هذا الواقع السلبي في دوائرنا، لا يمكن أن يحقق نجاحا ولا تطورا ولا انتاجا حقيقيا ولانشاطا صادقا، لأنه محاط بالجهل والإنانية وغياب الرجل المناسب في الموقع المناسب. هذا الانموذج من المدراء العامين؛ يعرف جيدا أن أول اشراقة شمس يمكن أن تعزله، وهو الأمر الذي يجعله لا يفكر الا بالوظيفة التي يشغلها بوصفها غنيمة وعليه حصاد اكبر قدر ممكن من ثمارها، لذلك لم يعد بوسعنا تطوير دائرة ما ولا انتظار ما يمكن لمدير لاحق، تجاوز أو تغيير أو تطوير عمل مدير سابق، فالاهواء واحدة والمعالجة في غياب.