ماذا سيغني عبادي؟

آراء 2023/02/12
...

 حارث رسمي الهيتي


بثت اغنية «الفصلية» لأول مرة في العراق عام 1973، كتبها الشاعر جودت التميمي وتنسب لشاعر آخر، وغناها المطرب الريفي عبادي العماري، وهي تتناول ما يوصف بأنه وصمة عار في النظام الاجتماعي على اقل تقدير، ورغم أن القضية – الفصلية- تكاد تكون قد اختفت تقريباً أو موجودة بحالات قليلة غير محكي عنها الا اننا نعيش ما هو أقسى، أقسى ليس فقط على النساء فحسب، بل على الوجدان الانساني واصحاب الضمائر التي لم تزل تُصعق لحظة أن يظلم انسان لسبب ما. 

نعيش أياماً يُستسهل فيها القتل، وارتكاب الجريمة، نعيش لنرى ونسمع أصواتاً وأقلاما تدافع عن القاتل وتلقي بمزيدٍ من اللائمة على الضحية، ومُشرعا لا يريد الالتفات إلى ما يمكن أن يفعله تقاعسه عن أداء عمله، نعيش في وقت يتجرأ فيه شاب رفضت مريم قبل سنة من الآن أن تتزوجه فيتسلل إلى بيتها ويرشها بحامض النتريك، لاحقاً يزورها السيد رئيس الجمهورية ليعرب عن تعاطفه مع قضيتها! 

نعيش ونسمع عن شابة قامت بإحراق نفسها بعد شجار مع زوجها لسببٍ بسيط حسب ما أعلن عنه، وآخرها شابة أخرى تموت على يد والدها خنقاً بعد معارضته على سفرها واستقرارها خارج العراق، لسبب يعتبره هذا «الأب» بسيطاً وهو انها تتعرض للتحرش من شقيقها!!

قضايا «غسل العار» و»قتل الشرف» يبدو انها لن تتوقف قريباً، وهذا يعود لأسباب يطول شرحها، ولكن أهمها أن المجتمع بصورة عامة لا يريد أن يصدق ان جرائم مثل هذه تشكل خطراً حقيقياً على آدميتنا أولاً قبل كل شيء أو انه يتغاضى عن هول المشكلة، ليبحث عن تفاصيل تجعل من الضحية سبباً للجريمة.

وثانياً أن صوت المؤسسات الدينية لم يزل ضعيفاً إلى الآن، رغم الارقام المرعبة التي تتحدث عنها الاحصائيات، كذلك كثير من العادات والتقاليد العشائرية التي تقف موقف المتفرج على واحدة من اخطر المشاكل، وهذه الأخيرة تشوه أول ما تشوهه هي سمعة العشائر ورمزيتها. 

عبادي العماري وقبل نصف قرن من الآن غنى وأشار وصرخ عالياً ضد الفصلية، ضد أن تعطى المرأة بمثل تلك الطريقة الذليلة التي تمتهن كرامتها ووجودها وكينونتها، فماذا سيغني لو كان حاضراً اليوم عن أخ «يتحرش» بأخته وعندما ترفض يقتلها الأب؟!.