مرجعية شاكر حسن آل سعيد في الفن

ثقافة 2023/02/18
...

 خضير الزيدي 


لا يمكن تجاهل اسم الفنان شاكر حسن حينما يتم التطرق إلى الفن العراقي والعربي، فقد بدا لنا منذ انطلاقته إبان الستينيات من القرن العشرين صاحب توجهات معرفية وأسلوبية في الغالب من منجزه الفني، ولعل الملفت في هذه الشخصية الفنية، إنها ذات اتجاه صوفي قدمه في الرسم، بل ونظر له واستطاع منذ وقت مبكر أن يكتسب مريدين له تعلموا منه كيف يورثون مبادئه وطرائق اشتغالاته مع أسس الفن المعاصر، وكيف سيكون الرسم لهم (توجهاً وأسلوباً).

لقد استحضر في ذهنه وخياله نمطاً من الرؤية التي تمزج بين حداثة الفن والعودة إلى التصور الروحي وزاوج بينهما في تمثيل خالص، حتى أنه كان يدعو على سبيل المثال أن يتجاوز الفنان طابع الزخرفة لينشد إلى وحدة العنصر في مستوى البناء وهذا الانخراط بمثل هكذا توجه يعزز رؤيته نحو التصور (الفردي) للعنصر والنقطة أو الخطة، وهي اشارة ذات طبيعة روحية/ صوفية كأنه يقدم ما يوازي الحسي مع المستوى الفطري.. في سبعينات القرن المنصرم قدم مشروعه المعروف للجميع سواء من مريديه أو من مجايليه وهو ما اسماه بالبعد الواحد وقدمه من خلال الاعتماد بالبحث الهندسي وكان للخط النصيب الأوفر من ذلك العمق البنائي وشاركه في المعرض الأول فنانون ستينيون وسرعان ما دب الاختلاف في التوجهات المعرفية وكيفية التصور البنائي لمفهوم الخط/ النقطة/ والحرف، بل وحتى (فهم الفن) وأتذكر بحوار لي مع الفنان ضياء العزاوي بانه ذكر لي (إن لشاكر إسهاما هائلا في تطوير التجربة العراقية، وإنه بالتأكيد هناك الكثير مما يجمعنا، إلا إن الاختلاف بيني وبينه بشكل أساسي يعود لاختلاف مراجعنا الثقافية وبالتالي لتصوراتنا في تحقيق ما هو ممكن) وعن فكرة ما طرحة شاكر حسن عن البعد الواحد كمسمى أو تصور يذكر العزاوي، (أود التأكيد أن الفكرة الأولية للبعد الواحد ليس تأسيس جماعة 

وإنما انجاز معرض توثيقي للفنانين الذين عالجوا هذا الموضوع، تحت شعار الفن يستلهم الحرف وهو ما أقترحه جميل حمودي) وهذا يعني لمن يبحث في تاريخ الفن وينقب 

عن منجز شاكر أو مجايليه من الستينين إن الاختلاف بدا حتى مع المسمى، وإذا أردنا أن نقرأ الأمر فسيكون علينا لزاما أن ندرس شاكر حسن عن كثب حتى فيما يفكر فيه من حيث التسمية التي تخص مفهوم البعد الواحد فمن يعرفه سيصل إلى قناعة بأنه يعد الرسم والفن عموما حالة تأمل، وهو ما دفع به أن يؤسس عبر منجزه فرادة مميزه يجمع بين التجريد الروحي والتعبيرية الخالصة، وهذا التأمل هو من سيقود بالفنان إلى تجاوز حالة الارتباك مع القماشة ورؤية الفن وأبعاده جماليا ومعرفيا.. لم يبتعد فنانا شاكر حسن عن الهوية والتراث ضمن النسق الثقافي المقدم في الفن، بل عززه بواجهة الأثر والشقوق في الجدار، وتبعيات قراءة الماضي ليكون تمثيلا شاملا لطريقة أسلوبية ترتبط أولا بالهوية المكانية وثانيا بخطاب جمالي يعي قيمة ما يفسره هذا المسعى ليصبح فيما بعد مصدراً تراثياً، فالكتابة على جدران البيوت القديمة وشقوقها تعطي في شكلها بعداً وتصوراً محببا في نفس ال سعيد ثم ندرك في ما بعد أنها عودة تراثية ومحلية من نوع خاص اكتشفه شاكر ليس بغنائية أو انشائية غايتها البكاء على الأثار والاطلال، إنما بقراءة تمتلك بعدا في حفريات 

المكان.

وأعتقد أن تأثير كاندنسكي وفهمه للخط قد اثر في شاكر بشكل ملفت مع أنه يخفي علينا هذه الرؤية، لكنه يؤكد على تصور بول كلي فيما يخص الخط الهندسي كمثال يضرب هنا، ولكي لا نبتعد عن التصور العام لهذا الفنان فيما يخص فهمه للهوية والأسس المحلية للمكان العراقي نشير إلى أانه مع كل ما تمسك به من موقف اتجاه البيئة التراثية العراقية، إلا أنه لم يخفِ انتماءه لما تحمله الحداثة من تجديد واعادة قراءة لخصوصيات المكان وسياقه الاجتماعي استطيع القول إن لا وجود لالتباس في التعامل بين (التراث المحلي والحداثة) فيما يسعى إليه شاكر من تجديد في الخطاب الفني هناك اهتمام متزايد في الاثنين وما يميزهما احكام بحث وحفريات شاكر في كل منهما.. لقد بدت لنا مع الأيام أن محركات هذا الفنان روحية/ صوفية/ تنجر للتعامل مع الحداثة بعلاقة فكر نير، وليس بتعصب مع أن للفنان ثوابت وأراء لا يحيد عنها فيما يخص الجانب الروحي ورؤية تأمله للفن في مراحله العمرية الأخيرة، حتى أنه قال ذات يوم بأن الفن لعبة ولا أعرف ما المقصود هنا بهذه الكلمة التي تحتمل أكثر من قراءة وتأويل.