د. حامد رحيم
للأسف الشديد، صارت القضايا المصيرية في بلدنا، ومنها القضايا الاقتصادية الجوهرية مرهونة للتجاذبات السياسية في ظل غياب الخطاب الحكومي المسؤول، وتسيد الخطاب الفوضوي المدفوع بالاجندات السياسية الضيقة دون رقيب ومحاسب، وقد نال الاقتصاد نصيب الاسد من أولئك المتطفلين على الاختصاص، الذين اشبعوا الفضائيات بالترهات تحت عنوان (محلل اقتصادي) مع كامل الاحترام للثلة من المختصين من أساتذتنا الكبار.
كلام ولغط كبير أثير مؤخراً بخصوص سعر الصرف، وباسلوب حاول خلط الأوراق بالشكل الذي حاول أن يثير الخوف والهلع من المستقبل، والواجب بيان بالتحليل ما حصل واثره الحقيقي المتوقع في معيشة الناس. في البداية لا بد من بيان أهمية سعر الصرف على الواقع الاقتصادي العراقي، اذ إن الاختلال الهيكلي المرافق للنشاط بعد عام التغيير السياسي فرض معادلة مفادها بأن سعر الفائدة ضعيف التأثير على مجريات الاحداث، نتيجة للضعف الشديد في العمق المالي للاقتصاد، ما اضطر البنك المركزي للتحول نحو سعر الصرف مثبتاً اسميا، ونجح البنك المركزي في التحكم إلى حد كبير في المعدل العام للأسعار وحتى الارتفاع الناتج عن تغيير سعر النافذة فقد كان تضخماً مقصودا، وبما أن الاحتياطيات الآن ناهزت (100) مليار دولار، وهي قادرة على تغطية الاستيرادات لمدة تزيد على العشرين شهرا، وهذا يعني أن الامان عالٍ نسبيا، فالنسبة المطلوبة هي من ثلاث إلى ستة اشهر.
وفقا لما تقدم ما الذي يحصل الان في سوق العملة؟ ولماذا هذا التذبذب الكبير نسبيا والفرق غير المألوف في سعر صرف السوق الموازية بالنسبة لسعر النافذة. ببساطة أن الاجراءات الاخيرة الهادفة إلى حوكمة اجراءات النافذة وخصوصاً التأكيد على (المستلم الاخير) للحوالات الدولارية الخارجة من العراق، جعل هناك شفافية اكثر نسبيا بالنسبة للاسلوب القديم، الذي كان متبعاً في مبيعات النافذة، وكان ذلك على حساب التعاملات المشبوهة، ومن جانب آخر اسلوب (الصدمة) في تطبيق الاجراءات جعل هناك حالة من التباطوء الزمني في الاستجابة للطلب على الدولار، ويمكن تشخيص أسباب أخر رفعت سعر الصرف في السوق الموازية وهي كالآتي:
زيادة الطلب على الدولار في السوق الموازية من قبل صغار التجار.
المضاربات الكبيرة للمتربحين من بيع وشراء الدولار.
التشويش الاعلامي والدعايات من قبل المتضررين من اجراءات الحوكمة المشار اليها، ومحاولة لتصوير الحدث على انه مؤامرة خارجية لصناعة (ضغط شعبي) على امل عودة الامور لسابق عهدها.
وهذه النقاط هي السبب في عدم نزول السعر في السوق الموازي رغم الاجراءات، التي اتبعت من بيع الدولار مباشر للمواطنين عبر المصارف، ما يقدم لنا دليلا على ان العوامل التي أدت لرفع السعر هي عوامل غير اقتصادية. إن سعر الصرف في السوق الموازية لا يؤثر جوهريا في المعادلة السعرية باعتبار ان مساهمته في التجارة الخارجية هامشيا، لأن النافذة بسعرها المنخفض نسبيا هي الاكثر جدوى للتجار رغم التأخر النسبي في تلبية الطلب، وهذا منطقي جدا، اما تعاملات السوق الموازية فهي اغلبها داخلية فقط. وهنا نؤشر تقصيراً حكومياً كبيراً في معالجة هذه الظاهرة، إذ ينبغي على الحكومة محاسبة التجار الذين يتعاملون مع النافذة، وبالوقت ذاته يحاولون رفع اسعار السلع المستوردة من قبلهم وهذا يندرج ضمن الامن الاقتصادي القومي، كذلك يجب أن تقدم على بيان حقائق الامور عبر الخطاب الاعلامي الرسمي ومحاسبة القنوات الاعلامية التي تمثل اجندات (المتضررين) من اجراءات الحوكمة المتبعة في النافذة. خلاصة القول إن المثبت الاسمي (سعر صرف النافذة) في افضل أوضاعه وما يحدث في السوق الموازية يعد تغييرا هامشيا لا يوجب اثارة كل هذه المخاوف.