عمر الناصر
المثل الشعبي يقول «لا تمدح رجلا لان تحتاج مذمته»، لنتحدث بموضوعية ولنترك ترهات الحديث جانباً، وننتهز فرصة النقد البناء أن يصحح المسار ويقوّم الأداء، ويفرض نفسه على المشهد اذا ما أخطأ المسؤول، ونثني عليه ونعلي شأنه اذا ما استطاع تحقيق انجازات وقدم نتائج حقيقية مرضية كالتي يطمح اليها المواطن، ومن باب الانصاف علينا أن نذهب دوماً إلى تفسيرات واقعية ومنطقية ليست موسيقية بعيداً عن التزلف والتلميع، حتى لا نفسد طعم بعض الانجازات وإن كانت بسيطة ولا ترتقي لمستوى الطموح.
فالعملية السياسية عودتنا بأن زوال ونسيان اي ازمة سياسية أو اقتصادية لايكون الا بمجيء ازمة جديدة تدفع، التي جاءت قبلها لنبقى آنذاك نسير في فلك تدوير الازمات على غرار تدوير بعض السياسيين في مؤسسات الدولة.
هنالك طوق نجاة ينتظرنا وراء جميع الازمات التي عصفت بنا، وكأن يد الله فوق هذا البلد المعطاء، ولكننا نشاهد باستمرار وجود محاولات لترويج ستراتيجية ابتكار الأزمات ثم اعطاء الحلول، بمعنى في المنعطفات السياسية وعند محاولة لفت انظار الرأي العام عن أي حدث سياسي أو اقتصادي يجعل من الرأي العام والاعلام تأثير اصواتهم أعلى حتى من أصوات صناع القرار، فيأتي هنا دور دوائر صنع الأزمات لتبتكر ازمة جديدة قد تمت التهيئة لها سلفاً، تمتلك كود المرور password أو رموز ومفاتيح الحل لها، أو كما قال المفكر الأميركي نعوم تشومسكي “في الأول نبتكر مشكلة أو موقفا متوقعاً لنثير ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب”، ليطالب بالإجراءات التي نريد أن يقبل بها، كابتكار أزمة مالية مثلاً حتى يتمّ تقبّل التراجع عن مستوى الحقوق الاجتماعية وتردّي الخدمات العمومية كشر لا بدّ منه، وهذا ما رأيناه في ازمة سعر صرف الدولار التي كانت أطراف دولية سبباً في هذه الازمة.
لو اردنا ان نأخذ قليلاً انعكاسات موشور الفعل ورد الفعل من باب اخذ نظرية السبب والنتيجة cause and effect من خلال عملية الاحتكاك المحدودة بين الشارع والحكومة في موضوع ارتفاع سعر صرف الدولار، ونقارن ذلك بين حكومة السيد الكاظمي وحكومة السيد السوداني، سنجد بأن هنالك اختلافات كبيرة وواضحة للعيان للأسباب، التي تقف خلف هذا المفصل وبهذا التوقيت، ففي الحكومة السابقة كانت هنالك رؤية اقتصادية مشتركة من قبل الخبراء والمختصين والمسؤولين في البنك المركزي، وبإجماع شبه سياسي على ضرورة الذهاب إلى رفع سعر الصرف، نتيجة عوامل داخلية وخارجية مجتمعة ومنفردة منها التضخم وتأخر اقرار الميزانية وتذبذب اسعار النفط وعدم وجود تعظيم لموارد الدولة وتراجع الاقتصاد المحلي، الذي أدى إلى تذمر وسخط شعبي واضح على الطبقة السياسية القابضة على السلطة، اما اليوم اذا اردنا النظر من عدسة المنطاد لنفس المشكلة وبموضوعية تامة لحكومة السيد السوداني سنجد بأن الامر مختلف تماماً، لأن الاسباب التي تقف خلف هذا الحدث، هي مؤثرات واسباب اكثرها خارجية جاءت بسبب ضغط الفيدرالي الأميركي على البنك المركزي لغرض تطبيق وتنفيذ الالتزامات والاتفاقات والمقررات التي ابرمت بين الطرفين، لأنها تم التوقيع عليها منذ فترة ليست بقريبة، حسب ماتحدثت به السفيرة الاميركية الينا رومانسكي، ناهيك عن العوامل السياسية الاخرى التي تتعلق بلعب النفط العراقي دوراً مهماً في استقرار ميزان الطاقة بين دول منطقة الشرق الأوسط، خصوصا والعالم بشكل عام، أدى بالنتيجة لسابقة لم تحدث من قبل لأن يكون هنالك تفهم واضح من قبل الكثير من الشارع بأن حكومة السوداني ليست هي السبب الذي يقف خلف هذا الارتفاع، كما ذهبت وروجت اليه بعض الجيوش الالكترونية وهذه نقطة جوهرية تبين لنا بأن حنكة المواطن الذي بدأ يميز بين الخطوط المتعرجة والخطوط المستقيمة.
ما أريد الوصول اليه اليوم هو أننا بحاجة ماسة وفعلية لان نسلط النظر على بقعة الضوء هذا التحوّل الملحوظ، ونأخذ بعين الاعتبار أهمية انتقالة وعي ومزاج ومذاق جزء كبير من الشارع
إلى التمحيص والتدقيق قبل الاتهام واطلاق الاحكام المسبقة، بعد أن تجسد ذلك من خلال عدم الاكتراث إلى بعض الاصوات، التي حاولت خلط الاوراق من احل اللعب على ورقة زج السوداني في هذه معركة لا يتحمل تبعاتها بأي شكل من الاشكال.