ساطع راجي
قد تكون القراءة البرلمانية الاولى لمقترح تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان يوم 13 شباط، مجرد محاولة لاستكشاف ردود أفعال الصدريين وقوى سياسية أخرى، فقد ظهر مقترح التعديل فجأة وبلا تمهيد وبطريقة غامضة ودون أن تتبناه كتلة أو جهة سياسية؛ ومن تعليقات المتخصصين يبدو مقترح القانون ملغوما بالاشكالات الدستورية والتنفيذية، وكأنه طرح ليتم رفضه أو على الاقل لاثارة خلافات جديدة للقفز على استحقاقات وواجبات راهنة، لتخرج القوى السياسية من التزاماتها تجاه المواطنين وتأخذهم إلى معركة مفتعلة.
لقد وعدت الحكومة بتقديم مشروع قانون انتخابات مبكرة خلال مئة يوم من تشكيلها، وإذا كان الايفاء بهذا الوعد ضروريا فإن انتاج قانون يحظى بمقبولية واسعة لا يقل أهمية عن الايفاء بالوعد الحكومي، لأن هذا القانون صار موضوعا أمنيا حاسما.
من الصعب وربما المستحيل اعتبار قانون ما هو الافضل من غيره لإجراء انتخابات عادلة وعملية؛ فكل تصور أو مقترح لقانون الانتخابات إنما يعبر عن مصلحة جهة سياسية، وبالتالي لا يوجد قانون مثالي ابدا، لكن أي قانون انتخابات يجب ان يحظى بأوسع مقبولية شعبية وسياسية ممكنة، وهذه المقبولية لا تحددها الحجوم النيابية فقط، بل تشمل القوى والفئات غير الممثلة في البرلمان أيضا والمزاج العام.
في حالات كثيرة يكون من حق القوى البرلمانية صياغة قوانين الانتخابات بمفردها، لكن في الحالة العراقية يكون من الصعب تجاوز الارادات والمصالح غير الممثلة في البرلمان الحالي؛ لأن آخر انتخابات شهدها العراق كادت تؤدي إلى حرب أهلية وعليه من المتوقع أن تثير أي محاولة استفراد بتشريع قانون للانتخابات المقبلة، إلى تهييج الجروح التي ما زالت مفتوحة.
بعد كل انتخابات تخوض القوى العراقية حوارات ومواجهات تستغرق وقتا طويلا وتدخل الدولة في اشكالات دستورية واحراجات قانونية قبل الاتفاق على تشكيل حكومة اتحادية أو حكومات محلية، وفي المرة الاخيرة كانت المواجهة بين القوى السياسية مؤذية للجميع لذلك فأن الاجدر بالقوى السياسية خوض حوارات حقيقية وموثقة قبل الذهاب إلى الانتخابات، حوارات تؤدي إلى ترتيبات واتفاقات على قانون الانتخابات وعلى ما بعد الانتخابات إلى حد تشكيل التحالفات الحكومية وتسمية مرشحين، لتولي رئاسة الحكومة مسبقا كما يحدث في معظم النظم البرلمانية التي لا تترك هذا المنصب المهم للصدفة، وفي كل الاحوال فإن الخيارات العراقية أصبحت محدودة وواضحة بعد الانقسام الحاد بين القوى السياسية.
أي قانون انتخابات سيكون جيدا اذا ما حظي بقبول أكبر عدد ممكن من الراغبين بالمشاركة في الانتخابات سواء في الترشيح أو التصويت، كما أن الطيف الواسع من المواطنين الذي لا يشارك في الانتخابات صار طموحه الأكبر ألا تؤدي الانتخابات إلى مواجهات ومواقف تعرقل الحياة اليومية وتهدد الاستقرار الأمني، بعدما يأس هذا الطيف من امكانية حدوث طفرات في الاداء السياسي.