العملات المزيفة.. جريمة بخسائر مهلكة

ريبورتاج 2023/02/20
...

  وليد خالد الزيدي

  تصوير: مصطفى الجيزاني


تتواصل الأزمات وتضرب في صميم الحاجات الأساسية للشعب العراقي، فلا تكاد أن تنتهي أزمة حتى تظهر أخرى، فمن سرقة القرن إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقارنة بالدينار، ثم تطل علينا أزمة النقود المزورة برأسها لتلوح في الأفق، آفة أخرى لفساد سرعان ما ينعكس بشكل كبير وكارثي على حياة أبناء الشعب حتى غدت منتشرة في العديد من المناطق، ومحال البيع والأسواق المحلية ومراكز التعاملات التجارية بين المجموعات والأفراد. ومن الجدير بالذكر أن ظهور تلك الأزمات يكبل أيدي الجهات الحكومية المتخصصة، ويجعلها قاصرة في تقديم الخدمات أو تطور أدائها.


ولتسليط الضوء على تلك القضية وجوانبها استطلعت(الصباح) آراء بعض المواطنين الذين وقعوا فريسة لهذه الظاهرة، وبعض أصحاب الشأن لبيان تأثيراتها السلبية في حياة الناس وانعكاساتها على اقتصاد البلد بشكل عام.


خسارة كبيرة

يبين المواطن زيدان خلف(49)عاماً أن حالات تزوير العملات العراقية، موجودة وواضحة للعيان بالفئات  النقدية المختلفة، وهي تؤثر كثيراً على أصحاب المحال التجارية وأرباب المهن البسيطة كالحلاق والبقال، وصاحب البسطة الصغيرة الذي يبيع في الأسواق المحلية، لأن وارده اليومي محدود وحينما يستغفل بعملة نقدية مزورة، يتكبد خسارة كبيرة في مقدار ما يأتيه من ربح يومي بسيط.

ويقول خلف : "قبل أيام أعطاني أحد الزبائن ورقة نقدية بفئة(10) آلاف دينار، بعد أن قمت بحلاقة شعره وذقنه وأعدت له مبلغ(5) آلاف دينار، وحينما تعاملت بها في السوق فوجئت بعدم قبولها من أحد باعة  الخضر، مدعياً أنها مزورة وحينما عرضتها على صاحب مكتب للصيرفة أكد لي هو الآخر أنها مزورة بالفعل، وفي اليوم نفسه قصدت بيت الشخص الذي أعطاني تلك الورقة النقدية  فأخبرته بالمشكلة، فتقبل مني ذلك وأقسم بأنه لا يعلم بأنها مزورة، وقدم اعتذاره لي فهو الآخر وقع تحت طائلة الاستغفال، فنحن في تلك الحالة نتداول بالعملة المزورة من دون أن نعلم بذلك". 


الجهات الرقابيَّة

بينما يؤكد المواطن علي عبد الخالق، أن مؤسسات الدولة لها كل صلاحيات التصدي لأي مشكلة يمر بها البلد، ومنها ظاهرة العملات المزورة في الأسواق ومواقع التعاملات التجارية، ومنع انتشار العملة غير الحقيقية، وقال عبد الخالق: "إن الجهات المعنية كافة لا بد أن تكون هي المتخصصة، بمتابعة شؤون الأسواق وعمليات التبادل التجاري، وفق قوانين النزاهة والعمل الرقابي ومن خلال فرقها ولجانها التي يمكن أن تمسك بخيوط هذه الجريمة الخطيرة، لكونها تقع في خانة الجرائم الاقتصادية".


إخراج العملة الصعبة 

المواطن أسعد مجلي(43) عاماً يرى أن تزوير العملة العراقية أدى إلى التضخم في أسعار السوق، وأحياناً ارتفاع كلف شراء المنتجات والسلع المهمة وضرب العملة الصعبة الضرورية، لتدوير عجلة الاقتصاد العراقي نتيجة جشع بعض الأشخاص المتاجرين بها.

مضيفاً أن العملة المزورة أثرت سلباً، في الطبقات الهشة الفقيرة في المجتمع بشكل كبير، لأنها أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، نتيجة لذلك فالعملة المزورة وردت من خارج حدود العراق، لغرض شراء أكبر كمية ممكنة من العملة الصعبة من البلاد وإخراجها لدول متعددة، لافتاً إلى أن تلك جريمة اقتصادية لضرب قيمة الدينار العراقي وتقليل أهميته في السوق المحلية، ورفع أسعار منتجات ضرورية لحياة الناس وكذلك اختفاء كميات كبيرة من المواد الغذائية، وعرقلة الحصول عليها من قبل المواطنين الفقراء.


غياب القوانين 

محمد الحمد يعمل في مكتب بيع وشراء العملات النقدية، في مدينة بعقوبة يشير إلى أن العديد من حالات الغش في عملية التبادل التجاري، المحلي وانتشار الأوراق النقدية المزورة في الأسواق العراقية، تأتي بسبب غياب فاعلية القوانين الخاصة بردع المتعاملين بها. وقال الحمد: "إن حالات التلاعب بالعملة العراقية الوطنية، تمر غالباً من دون عقاب ومن دون تشخيص الجهات المسببة لها، وتعد بمثابة تخريب اقتصادي وجريمة خطيرة يحاسب عليها القانون، وتفرض بموجبها لوائح عقابية صارمة من شأنها أن تحد من تلك الجريمة وتقطع دابرها، وتوقف تداعياتها على مستقبل الاقتصاد الوطني العراقي.

مبيناً أن معظم الأزمات الاقتصادية، ومنها حالات تزوير العملات النقدية الوطنية لا تواجه بعقاب ولا محاسبة تطول المفسدين، ليكونوا عبرة لغيرهم، فضلا ًعن ذلك فإن عمل الأجهزة الخاصة بالرقابة المالية، غير واضح ولا مجد وهي متخصصة بمعالجة حالات تزوير العملة الوطنية، وإن هناك حالات كثيرة ظهرت تخص عمليات الغش والتلاعب بالعملات الوطنية المزورة وفي أسواق محلية مختلفة، سواء في بعقوبة أو غيرها من دون رقيب.


خداع البسطاء 

عمار عباس (32)عاماً يعمل في مكتب للصيرفة في بغداد، يؤكد أن العملات المزورة موجودة في الأسواق المحلية، ويتعامل بها بعض الأشخاص بعلمهم أو من دون علم، لكن في مكاتب الصيرفة يتم التدقيق والتأكد من خلو تلك العملات من حالات التزوير، لكي لا تتسبب لتلك المكاتب بمشكلات، فيجرى فحص العملات المحلية والأجنبية، ومن مختلف الفئات النقدية لبيان صلاحيتها أو عدمها.

منوهاً بأن هناك اعتقاداً سائداً بأن الأوراق المالية المزورة، قد دخلت من خارج العراق في الأيام القليلة الماضية، إذ كثر التعامل بها ومع أنها قضية قديمة لكنها كانت على نطاق ضيق وغير مستفحل، كما هي في الوقت الحاضر، إذ أصبحت ظاهرة يقع فريسة لها مواطنون بسطاء غير متمرسين في التعامل، مع الأوراق المالية لكونهم غير متعمقين في معرفة نوعية طبع العملات ليشخصوا الصحيح منها عن المزور. وأوضح أن الحلول والمعالجات، للحد من تلك الظاهرة تقع على عاتق الجهات الحكومية المتعلقة بكشف الجريمة الاقتصادية، وتقديم المزورين للعدالة لينالوا الجزاء العادل وليكونوا بمثابة درس، لمن يسعى أو يفكر في التلاعب بمصادر الاقتصاد الوطني وممتلكات الشعب العراقي.


قانون العقوبات 

الخبير القانوني تحسين المولى أكد أن تزوير العملة، جريمة دولية لأن الأشخاص غير المختصين بهذا الأمر، من الصعب عليهم أن يقوموا بعملية تزوير العملة لكونها تحتاج إلى إمكانيات ضخمة، ويتابع حديثه قائلاً: "إن أي دولة مهما كان حجمها صغيراً أو كبيراً، لها نوعان من العملة معدنية وورقية ولكن في العراق اختفت المعدنية بسبب قلة قيمتها، وذلك بسبب مرور وتوالي الأزمات لكنها موجودة قانوناً وطبيعة العملة الورقية العراقية، تتكون بنسبة(95بالمئة) من مادة السليلوز والباقي من مادتي الألياف والقطن، وتلك النسبتان قابلتان للصعود والنزول.

لافتاً إلى أن التزوير يحتاج إلى الاستعانة بخبراء دوليين، وتلك الإمكانيات موجودة لدى الدول أو حكوماتها، وليس  لدى أشخاص أو شركات بحد ذاتهم، لا سيما إذا كان المراد تزوير كميات كبيرة لضخها بكميات ضخمة، وإرسالها بواسطة مندوبيها أو عملائها بهدف زعزعة اقتصاد تلك الدولة التي يتم تزوير عملتها، مبيناً أن قانون العقوبات العراقي رقم(111) لسنة(1969)النافذ، وإن جرت بعض التعديلات عليه عاقب بالفصل الثاني بالمواد من (280 إلى 285) بالسجن لمدة مختلفة، لمن تعامل بعملة مزيفة أو حازها في بلده أو في دولة أخرى وهو على بينة منها.

نستنتج مما سبق ذكره ومن خلال آراء بعض الأوساط الشعبية، وطروحات المتعاملين بسوق الأوراق المالية وقراءات بنود القانون العراقي، أن ظاهرة تزوير العملات النقدية هي جريمة دولية وبإمكانيات ضخمة، ينفذها أشخاص لصالح بعض الدول، بهدف الاستفادة على حساب دول أخرى، وتتضح لنا كذلك أهمية تفعيل مواد وفقرات قانون العقوبات العراقي لمتابعة من تثبت إدانته في المشاركة، بتلك الجريمة ومحاسبته بموجب القانون لحفظ العملة الوطنية العراقية، من التلاعب بها وتزويرها وبالتالي الإضرار بمصادر الاقتصاد الوطني وموارد عيش أبناء المجتمع العراقي بجميع فئاته.