رسالة في علم نفس الانفعالات

ثقافة 2023/02/20
...

 كامل عويد العامري


الانفعالات هي منطقة مفترق طرق لا تتعلق فقط بالمجالات الرئيسة الثلاثة لعلم النفس: المعرفي والاجتماعي والسريري، ولكن أيضا بمجال علم النفس الصحي. يهدف هذا الكتاب، الذي حرره دافيد سندر وكلاوس شيرر وهما من المتخصصين الممارسين البارزين في هذا المجال، كجرد للمعرفة وتوليف لأحدث النظريات في هذا الحقل.


“في الواقع، يمكن القول من دون مبالغة أننا، علميًا، لا نفهم شيئًا على الإطلاق عن الانفعالات، وأننا لا نملك ظل نظرية حول طبيعة الانفعالات بشكل عام أو أي عاطفة معينة”. هذا ما كتبه كارل جي لانج منذ أكثر من قرن بقليل (لانج، 1885).

ما الذي تعلمناهُ منذ ذلك الحين؟ أولاً، في الواقع أن كارل جي لانج لم ينصف أسلافه من العدالة الكاملة بإنكاره وجود أي نظرية للانفعالات قبل عمله. لكن خلال القرن الماضي، تعلمنا قبل كل شيء الكثير عن طبيعة الانفعالات ومكوناتها ووظائفها. 

نحن مدينون بهذه التطورات أساسًا لعلم نفس الانفعالات، وهو مجال تأديبي ناشئ وأساس العلوم العاطفية. على مدار العشرين عامًا الماضية، على وجه الخصوص، مع ذروة النشاط منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أحدثت ثورة عاطفيَّة في العديد من المجالات نفسًا علميًا جديدًا في دراسة الانفعالات. وهكذا، فإنَّ علم النفس العلمي الحديث يدرك أهمية الانفعالات، وعلى سبيل المثال في الاقتصاد، مُنحت جوائز نوبل للباحثين لقاء عملهم حول دور الانفعالات في صنع القرار والحكم. يتمثل الهدف في سياق “الثورة العاطفيَّة” في معظم العلوم، من هذه الرسالة في تقديم مساهمات أساسية معينة لعلم النفس في الدراسة التجريبية والتحليل المفاهيمي للانفعالات. كانت إحدى المساهمات المهمة لعلم النفس تحديدًا هي تصور الانفعالات كظاهرة متعددة المكونات. يأخذ هذا المنظور في الاعتبار المكونات المختلفة للانفعالات التي هي تقييمات للحدث المحفِّز (على سبيل المثال، إذا كان المنبه ممتع، فأنا قادر على التعامل مع الموقف)، والشعور الذي يلوح في الوعي (على سبيل المثال، الشعور بالخجل، سعيد، أو غاضب)، والاستجابات الحركية (على سبيل المثال، الابتسام بسرور، والعبوس أمام حدث يتعارض مع أهدافنا)،  وردود فعل الجهاز العصبي اللاإرادي (على سبيل المثال، الخجل من العار، وتسارع ضربات القلب)، والميول إلى التحرك (على سبيل المثال، الاستعداد للهرب من خطر، والاستعداد للاقتراب من صديق). 

لقد أُستخدمت طبيعة متعددة المكونات من الانفعالات لبناء هذه الدراسة، انتظمت في ثلاثة عشر فصلاً. بعد فصل تمهيدي عن سيكولوجية المشاعر، وركزت سلسلة من الفصول على مكونات المشاعر من خلال المعالجة المتتالية للتقييم المعرفي، وتعبيرات الوجه الانفعالية، والتعبير الصوتي الانفعالي، والفيزيولوجيا النفسية الانفعالية، والحافز وميول الفعل، وأخيراً، الشخصية الذاتية. وتتوافق السلسلة الثانية من الفصول مع الموضوعات المختارة لأهميتها في علم نفس الانفعالات المعاصر، لتعالج القضايا المتعلقة بالتنظيم الانفعالي، والتوتر، والعواطف بين المجموعات، والانفعالات في عالم المشاريع والعمل، والعلاقة بين الشخصية والانفعال، وأخيرًا في وسائل التقييم المعرفي في الرهاب الاجتماعي.

بالرغم من أن “البحث في الانفعال” له حضوره في وسائل الإعلام والتكنولوجيا والمجتمع بعامة، فمن اللافت للنظر أن نلاحظ الفارق بين هذا البحث في الانفعال في المجتمع والمقدار القليل نسبيًا من الدراسة الأكاديمية المحدودة في مجال علم نفس الانفعال. 

في هذا السياق، ستكون هذه الرسالة قد حققت هدفها الرئيسي إذا كانت بمثابة دعم للدراسات الحالية وكذلك لتطوير التدريس الجامعي الجديد حول الانفعال في درجة البكالوريا أو البكالوريوس أو الماجستير في علم النفس. 

وعلى نحو عام، تأمل أن تصبح هذه الرسالة، المصممة لطلاب علم النفس، ولكنها موجهة أيضًا إلى المتخصصين في مختلف التخصصات المهتمة بعلوم الانفعالات، مصدرًا مفيدًا للتدريس والبحث. 

فضلا عن ذلك، يبدو أن هذه الرسالة تتجاوز المجال المحدد المخصص لدراسة الانفعالات وتدعو الزملاء المهتمين بمجالات أخرى من العقل البشري للتشاور معها.

في الواقع، تبدو معظم العمليات المعرفية إما ضرورية للانفعالات على هذا النحو (على سبيل المثال، إثارة الانفعالات أو التعبير عنها)، أو متأثرة بالانفعال (على سبيل المثال، الإدراك والانتباه والذاكرة والحكم الأخلاقي واتخاذ القرار)، أو لا تزال مشاركة في تغيير وضع الانفعال (على سبيل المثال، إعادة التقييم أو القمع). يكشف هذا الوضع المتميز للانفعالات في العقل البشري أن الانفعال هو في صميم الإدراك، وهذا وحده ليس من وجهة نظر مجازيَّة.

ومن هنا لا بدَّ من إلقاء الضوء على علم نفس الانفعالات بنظرة عامة على النظريات الأساسية والمناقشات.

أنت تمشي في حديقة في ظهيرة يوم أحد مشمس في مايو آيار. وقد تفتحت الزهور الأولى وأنت تسير جنبًا إلى جنب مع الشخص الذي تحبه. وعلى حين غرة، ترى رجلاً يخرج فجأة من بين الأدغال، بجانب الطريق تماما. يحمل سكينا في يده اليمنى الملطخة بالدماء.

في هذه اللحظة، من المحتمل جدًا أن تشعر بما يسمى بالانفعال. لكن ما يبدو أنه رد فعل بسيط يثير الكثير من الجدل المفاهيمي والدراسة التجريبية في علم النفس. على سبيل المثال، ما الذي يشكل بالضبط الانفعال المثار في المثال المذكور: هل يرتفع معدل ضربات قلبك؟ وهل يتغير تنفسك؟ وتفتح فمك وعينيك على مصراعيهما؟ وهل لديك رغبة قوية في الفرار بأسرع وقت ممكن وحماية من تحب؟ وهل أن شعورك بأنّك في خطر؟ أو إدراكك بأن حالتك الذهنية تجعلك تصنفها على أنّها خوف؟ أم أن الانفعال هو بالأحرى مزيج من كل هذه المظاهر؟، للإجابة عن هذه الأسئلة، من المهم مواجهة وجهات النظر المختلفة حول كيفية تعريف هذه الظاهرة.

في هذا السياق، بادئ ذي بدء تقديم لمحة عامة عن النظريات والمناقشات الرئيسة التي تحرك علم نفس الانفعال المعاصر، عندما تبدو ذات صلة، حول المكونات الانفعالية التي تتمثل في التقييم المعرفي (الفصل 2)، والتعبير الحركي (الفصلان 3 و 4)، والاستجابة النفسية (الفصل 5)، والتغيرات التحفيزيّة (الفصل 6) والشعور الذاتي (الفصل 7). ومواضيع مركزية مختلفة في الفصول من 8 إلى 13. 

وبالرغم من أن نظرة عامة على النظريات والمناقشات الرئيسية من خلال التركيز على الأسئلة الرئيسية لفهم الانفعالات: كيف نعرّفها؟ وما هي وظائفها؟ كيف نميزها؟ وما هو رد الفعل الذي يميزها؟ وعلى الرغم من أن هذه الأسئلة شغلت علم النفس منذ نشأته الفلسفيَّة، إلّا أن هذه الدراسة تركز على الطريقة التي اهتمَّ بها علم النفس منذ ظهور علم النفس التجريبي في نهاية القرن التاسع عشر، عندما كان فيلهلم ماكسيميليان فونت ووليام جيمس يخلقان هذا الفرع الجديد من المعرفة.

“ما هي الانفعالات؟ هو عنوان أحد أكثر المقالات تأثيراً في علم النفس. ظهر هذا المقال الذي كتبه ويليام جيمس، أحد الآباء المؤسسين لعلم النفس التجريبي، في عام 1884. في هذا المقال، يدافع جيمس عما يعتبره أطروحة ثوريّة تتعلق بطبيعة الانفعالات: فكرة أن التغييرات الجسدية تتبع بشكل مباشر تصور حقيقة مثيرة وأن الشعور بهذه التغييرات عند حدوثها هو الانفعالات (جيمس، 1884/1968، ص 19). 

إن جيمس يقدم هذا التعريف للانفعالات التي يصاحبها ما يسميه صدمة جسدية معينة، مثل المفاجأة، والفضول، والبهجة، والخوف، والغضب، والشهوة، والجشع. لكنه لا يبدي رأيا حول الانفعالات التي يصفها بعد ذلك بأنها تعتمد حصريًا على “إجراءات مراكز التفكير” ذات الأثر الجسدي الذي قد يكون ضعيفًا أو حتى غير موجود. وغالبًا ما يشار إلى هذه الانفعالات على أنها انفعالات خفية.

لقد أوضح جيمس وجهة نظره بمثال أصبح كلاسيكيًا: نحن نواجه دُبًّا في الغابة، وقلوبنا تتسارع، وتبدأ ركبتنا في الاهتزاز، ولأننا ندرك هذه التغيرات الفسيولوجية نشعر بالخوف. بعد عام من نشر مقال جيمس، نشر عالم الفسيولوجيا الدنماركي كارل لانج (1885) أنموذجًا للانفعالات يقترح آلية أساسية مشابهة لتلك التي اقترحها جيمس. ويتلخص موقفه في السؤال التالي الذي طرحه في منشوره: “إذا بدأت أرتجف لأنني مهدد بمسدس محشو، فهل تحدث عملية نفسية أولاً، ويبان الرعب، وهذا ما يسبب ارتعاشاتي، وخفقان قلبي، وتشوش فكري؛ أم أن هذه الظواهر الجسدية ناتجة مباشرة عن سبب مرعب بحيث تتكون الانفعالات حصريًا من تغيير وظيفي في جسدي؟”. 

لانج مقتنع بأن البديل الثاني هو الخيار الصحيح: التغيرات الجسدية هي مصدر الانفعالات. هذه الأهمية المعطاة للتغيرات الجسدية كسبب لكون الإنفعالات مشابهة لتلك التي اقترحها جيمس، هذا التقارب بين النظريات يجعلنا نتحدث بشكل كلاسيكي عن نظرية جيمس - لانج للانفعالات. وتُعرف هذه النظرية أيضًا باسم الوضع “الطرفي périphérique” أو “المحيطي périphéraliste “، لأنها تشير إلى أن سبب الانفعالات ينبع من الاختلافات داخل الجهاز العصبي المحيطي عند الفرد عندما يدرك نمطًا معينًا من التغييرات في جسده. ومن ثم، وفقًا لهذا الاقتراح، يمكن وصف العملية الانفعالية بالتسلسل التالي: التحفيز، والاستجابات الجسدية، والإحساس بهذه التغييرات المحيطية، وأخيراً الانفعال.

لقد طور جيمس من تفكيره ففي عام 1892 أسس النظريات التي يمكن وصفها كنظريات ردود الفعل الجسدية؛ فكتب في عام (1892): “إذا كانت نظريتنا صحيحة، فينبغي أن يكون لها النتيجة الطبيعية الضرورية: أي استحضار متعمد ونزيه لما يُعتقد أنه مظاهر انفعالات معينة يجب أن تزودنا بتلك الانفعالات نفسها”. في هذا السياق، ركز البحث التجريبي في المقام الأول على تعبيرات الوجه، مما أدى إلى ظهور فرضية ردود الفعل على الوجه القائلة بأن حركات الوجه تعدل المشاعر الانفعالية. لقد أُشتقت ثلاثة أسئلة بحثية رئيسية من هذا الاقتراح: هل تعبير الوجه المناسب ضروري بالنسبة للشعور الانفعالي؟ هل تعبيرات الوجه كافية لإحداث شعور انفعالي؟ هل ترتبط قوة تعبيرات الوجه ارتباطًا إيجابيًا بكثافة الشعور الانفعالي؟ بشكل عام، أشارت الأبحاث إلى أن الاختلافات في تعبيرات الوجه ترتبط ارتباطًا إيجابيًا بالاختلافات في المشاعر الانفعالية. المثال الكلاسيكي هو الدراسة التي أجراها لانزيتا وكارترايت سميث وكليك  الذين طلبوا من المشاركين إما تضخيم أو كبت تعابير وجوههم أثناء تلقيهم للصدمات الكهربائية.

(كان الذي يقوم بالاختبار يجعل من المشاركين يعتقدون أن هذا التلاعب  يهدف إلى تضليل المراقبين). وكما كان متوقعًا، صنف المشاركون الذين حاولوا قمع تعبيرهم تلك الصدمات على أنها أقل إيلامًا من أولئك الذين ضخموا تعبيرهم. هناك صيغة أخرى أُستخدمت لدراسة ردود فعل الوجه تضمنت الحث الاصطناعي لأنماط تنشيط عضلات الوجه (الفصل 3). تحت ذريعة دراسة التنسيق الحركي النفسي، فقد طلب ستراك Strack وستيبر Stepper ومارتان Martin من المشاركين مسك القلم بطريقة إما بمنع (المسك بالشفاه فقط) أو تسهيل (المسك بالأسنان فقط). مع الابتسام، فأفاد المشاركون الذين استخدموا العضلات المرتبطة بالابتسامة للامساك بالقلم أنهم شعروا بمزيد من الفكاهة استجابةً للرسوم الكرتونية المعروضة لهم أثناء الإجراء التجريبي.. إن تحريض تعبيرات حركية معينة لا يمكن أن يؤدي فقط إلى تضخيم المشاعر، ولكن في الواقع يثيرها ويميزها، كما يتضح من الاستجابات الفسيولوجية المتباينة.. ثم يظهر سؤال مهم: هل رد الفعل الجسدي هو سبب أو مكون أو نتيجة للانفعالات؟ وما إذا كانت الاستجابة الجسدية تسبق الانفعال أم لا؟، لقد حاول علم النفس الحديث حل هذا النقاش الكلاسيكي من خلال اقتراح تعريف تكويني للانفعالات.

لقد حدد بول كلنجينا وآن كلنجينا في 1981 ما يقرب من مئة تعريف للانفعالات التي تفسر التباين الذي من خلاله يمكن تصور الانفعالات في هذا السياق وفقًا للبعد الذاتي، أو فئات المحفزات المحفزة، أو الآليات الفسيولوجية، أو التعبير عن السلوكيات، أو التأثيرات التكيفية، أو حتى إلى الآثار التخريبية. ولكن من المهم التأكيد على أن الانفعالات، مثل العديد من المصطلحات الأخرى في علم النفس بعامة، هي مفهوم افتراضي لا يمكن ملاحظته بشكل مباشر، ولكن يستدل على وجودها بعدد من المؤشرات. ولكن يتفق علماء النفس على أن فكرة مصطلح “الانفعالات” لا ينبغي استخدامه بالتبادل مع مصطلح “الشعور” كما كان الحال غالبًا في الماضي (لا سيما مع جيمس)، وحتى اليوم (لدى باريت). وبشكل عام، يعتبر الشعور الآن أحد المكونات العديدة للانفعالات. وغالبًا ما يشير علماء النفس إلى  - الشعور الذاتي، والاستجابة النفسية الفيزيولوجية، والتعبير الحركي - على أنّها ثالوث استجابة الانفعالات، ووراء هذا الثالوث، هناك عنصر انفعالي رابع ضروري هو الميل إلى الفعل، مثل الرغبة في الهرب أو الاختباء عندما يكون المرء خائفًا. وهناك مكون خامس، هو مكون التقييم المعرفي الذي يفسر وجوده في مصدر إثارة المشاعر وتمايزها على وجه الخصوص التباين الكبير بين الأفراد في مجال الانفعالات.

إنَّ مكونات الانفعالات المختلفة، المشار إليها، تستقطب معظم الأنظمة النفسيّة. إذن كيف يمكن التفريق بين الانفعالات وأشكال العمليات النفسية الأخرى؟.

من أجل تقديم تعريف للانفعالات، يُقترح استخدام مصطلح “العاطفة” لتعيين مجموعة من الاختلافات العرضية في العديد من مكونات الكائن الحي استجابةً للأحداث التي تم تقييمها على أنّها مهمة من قبل الكائن الحي. وبدلاً من استخدام مصطلح “الحالة الانفعالية”، يمكن أن يكون مصطلح “الحلقة الانفعالية” [جزء من حدث] أكثر ملاءمة لأنه يؤكد حقيقة أن الانفعال هو عملية ديناميكية ذات مدة قصيرة نسبيًا. ويسمح هذا بالتفريق بين المشاعر والظواهر الانفعالية الأخرى مثل الحالة المزاجية، والتي تعد عمومًا أكثر انتشارًا وتستمر لفترة أطول وليس بالضرورة أن تكون ناتجة عن حدث معين.  

في الواقع، من السمات المهمة للانفعال أنّه يشير دائمًا إلى كائن يثيرها. وتشير بعض الحجج أيضًا إلى أنه يمكن إثارة المشاعر حتى لو لم يكن هناك إدراك لموضوع الانفعال بوعي. وتتمثل إحدى الطرق في التأكيد عليها كاستجابة عاجلة لحالة الأزمة (في كل من المعاني الإيجابية والسلبية) في افتراض أن المكونات النفسية والفسيولوجية المختلفة تتفاعل بطريقة خاصة جدًا خلال الحلقة الانفعالية.

اقترح كلوس راينر شيرير Scherer أن أنظمة الكائن الحي الفرعية التي تعمل عادةً على نحو مستقل وذاتي تصبح متزامنة أو مقترنة أثناء العملية الانفعالية من أجل السماح للكائن الحي بالتعامل مع الحالة الطارئة الناتجة عن الحدث المثير للانفعال.

لنعد إلى مثالنا: أثناء المشي في الحديقة مع صديقك، يشارك جهازك العصبي الذاتي، في ضبط تنفسك ومعدل ضربات قلبك بشكل مثالي لضمان مستوى الأوكسجين الذي تحتاجه للمشي وفي الوقت نفسه، تنشغل عضلات وجهك بالابتسامات المختلفة، وتدور أفكارك حول المحادثة مع صديقك والتخطيط للأنشطة المقبلة بعد الظهر. وفي اللحظة التي ترى فيها الرجل، والسكين والدم، وتتغير استجابتك فجأة، ويتغير تنفسك ومعدل ضربات قلبك بشكل كبير، وتتصلّب عضلات وجهك، وترتفع حواجبك، ويفغر فمك، وتتوقف المحادثة وتتركز أفكارك على الموقف لتحاول معرفة ما يجري وتحديد الاستجابة السلوكيَّة التي يجب تبنيها. في الوقت نفسه، يزداد تدفق الدم إلى الجزء السفلي من الجسم لتهيئة عضلات الساق لزيادة الجهد. ومن ثم، يتناسق الجسم والأنظمة العقلية ومزامنتها، وتجند جميع الموارد المتاحة للتعامل مع ما يمكن أن يكون حالة طارئة كبيرة، وهو موقف يمكن أن يهدد أحد الأهداف الرئيسة في الحياة: البقاء على قيد الحياة آمنًا وسليمًا.

وأخيرا، يبدو أنه بعد تعريف الانفعال بوصفه حلقة من التغييرات المترابطة والمتزامنة لمكوناته استجابة لحدث شديد الأهمية بالنسبة للكائن الحي، فإنَّ مشكلة التسلسل المطلوب للعمليات والمراحل والعناصر وما إلى ذلك، تصبح سؤالًا يتعلق بـ العلاقات المتبادلة الديناميكية بين مكونات حلقة انفعالية معينة. وهكذا على وفق نهج وظيفي أكثر من كونه نهجاً وصفيَّاً بحتاً، يتناول الكتاب سؤالا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذا التعريف، وهو: ما فائدة الانفعال؟.


* رسالة في علم نفس الانفعالات - كلاوس شيرير