أطفال الزلزال

الصفحة الاخيرة 2023/02/20
...

عبد الهادي مهودر 

اهتز الكون لكلمات الأطفال العالقين تحت الكتل الخرسانية في (زلزال القرن) الذي أصاب تركيا وسوريا الأسبوع الماضي وخلّف آلاف القتلى والمصابين، ورأينا وسمعنا منهم العجب في رجب والقدرة غير المتوقعة على التحمّل لساعات وأيام متتالية وكأنهم مدربون على التحمّل ومستعدون للتصريح لرجال الإنقاذ ووسائل الإعلام بأبلغ الرسائل وأشد الكلمات وقعاً وتأثيراً في نفوس السامعين. 

ببرودة أعصاب تخرج الطفلة السورية إيلاف ذات السنوات العشر من تحت الركام وتبلغ المنقذين بهدوء أن أمها وأباها وأخوانها معها لكنهم ماتوا (أمي وأبي وأخواتي موجودين جوه بس كلهم ميتين) هكذا بكل قوة وبراءة ونقل حي للحقيقة المرة، ولا يمكن أبداً تخيّل حال هذه الطفلة عندما كانت ترى جميع أفراد أسرتها يلفظون أنفاسهم الأخيرة في وقت واحد أو الواحد تلو الآخر وتسمع أنينهم حتى الموت دون أن تتمكن من فعل شيء أو تطلق صرخة استغاثة لا يسمعها أحد، ثم إلى أي حياة خرجت إيلاف والناجون الوحيدون أمثالها ومنهم ذلك الطفل الجنين الذي وجد إلى جانب أمه الميتة لحظة الولادة وحمله المنقذ إلى أتعس حياة على وجه الحياة، أو الطفل النائم الذي أيقظوه لحظة إنقاذه وكأنه كان يحلم، والطفل الذي يسجل فيديو من تحت الأنقاض في هاتفه الشخصي يدعو ربه وينقل للعالم صرخات جيرانه على اليمين واليسار ولعله التسجيل الأخير كما قال، وطفل لا يدري أنه الناجي الوحيد حتى يكبر ويروون له قصته يوماً ما، أو ذلك الشاب الناجي الوحيد من أسرته الذي قال عبارة لم يطلقها أحد قبله في قوة التعبير عن شدة الوجع وألم الفراق وفداحة الخسارة (كلهم بخير إلا أنا)، وهل لمثل هذه الكلمات المزلزلة من مقياس لشدة الآلم مثل مقياس ريختر؟

أي حياة تتطلع لها طفلة تتوسل المنقذ من تحت صخرة ثقيلة بأن تعمل خادمة عنده إذا أنقذها مع شقيقها الأصغر؟

من أين جاء هؤلاء الصغار الكبار بهذه الكلمات الكبيرة التي يهتز لها الكون وهم تحت الكارثة وأمام أصعب مصير؟

وكيف يمكن تعويض الطفل الناجي الوحيد الفاقد لكل شيء غير قابل للتعويض من هزة المهد إلى الهزة الأرضية، هل نتخيّل جمع الناجين الوحيدين معاً في أسرة واحدة كأشقاء من رحم الزلزال تجمعهم الفاجعة والظروف والقصص والنهايات المتشابهة والمصير، وكنت قد قرأت عن العلامات التي تكشف عن الذكاء المبكر لدى الأطفال وكيف تعرف أن طفلك ذكياً، وليس بين العلامات والنقاط ما يشير إلى هذا النوع المذهل الذي من علاماته العجيبة رؤية النور والخروج إلى الدنيا مرتين والثبات عند الشدة ولا تهز براءته الزلازل.