سعد العبيدي
في السياسة وخلال حقبة الزمن الحالية التي يدار فيها الصراع على مستوى العالم ناعماً، من النادر أن تلجأ دولة وإن كانت عظمى إلى فرض إرادتها أوامر مباشرة على دولة أخرى وإن كانت نامية، الا في بعض الحالات القليلة التي يصل فيها مستوى الصراع الدرجات العليا من التأزم، عندها يمكن التحول من الناعم إلى الخشن.
وفي هذه الحقبة بالذات جرى الاستعاضة عن إصدار الأوامر، والاستهتار في موضوع فرض الإرادة بأساليب أخرى نفسية ناعمة بينها الإيحاء، رسائل ومواقف، واعلام يفهم القصد من مغزاها عن طريق التحليل والاستنتاج، وبينها افتعال أزمات تجبر الطرف المقابل صديقاً كان، أو عدواً إلى التوقف والاستدارة وتحويل الاتجاه، وأسلوب الافتعال هذا هو الذي تتبعه أميركا في تعاملها مع العراق منذ احتلاله عام 2003 إلى الآن، إذ هي وفي أزمة الكهرباء على سبيل المثال لم تصدر أمراً لحكومات العراق المتعاقبة أن لا تتعامل مع شركات غير شركاتها القادرة على الحل، لكنها أبقت بعض خيوط الحل مخفية، أو عصية، تمتلك وحدها المفاتيح عن بعد، لكن المعضلة في عدم فهم القادة هنا في بلاد الرافدين طبيعة الافتعال القائم للأزمة واستمرارهم في تجاهل دوافع الافتعال، الأمر الذي أبقى الكهرباء أزمة غير معقولة لعشرين عاماً، أزمة لن تحل الا بالعودة إلى الشركات الأميركية القادرة وحدها على إخراج مفاتيح الحل، وما ينطبق على الكهرباء يمكن تعميمه على سعر صرف الدولار، التي افتعل الأميركان أزمته، وتخبط الساسة في موضوع الحل، راحوا يميناً نحو الحبس والمراقبة والاعتقال، واتجهوا شمالاً بتخفيض سعر الصرف، وما زالوا يتخبطون، دون أن يدركوا أن المفاتيح كذلك موجودة في خزائن الأميركان، وإنهم إن لم يتبعوا معايير الامتثال جدياً، ويسيرون في الطريق الدولي الواضح والمكشوف كذلك جدياً، فسوف لا تنفع جميع إجراءات التخبط وستبقى الأزمة قائمة لأمد طويل يضر بالدولة والنظام وبمستقبل الساسة، الذين تعودوا التعامل مع الأميركان والأزمات باستخدام التقية وليس التعامل
الجاد.