التفكير بما لا يمكن التفكير فيه.. هوامش حول ( كتابات من منظور مختلف)

ثقافة 2023/02/22
...

عبد الغفار العطوي

سأتحدث هنا عن كيف نفكر  في كتاب لم يصدر بعد؟ رغم  تكامله  الكتابي (هو على شكل  بروفات أو مسودات  جاهزة للطباعة)  في حقيقة الأمر ، هذا الكتاب  المتكون من (20) مقالة  أو دراسة  اتخذ طريقه  نحو المعطى  المنهجي  الذي حرص المؤلف على اتباعه، و إن كان سيمثل مجموعة مغامرات أولى  تلج عالم المنهجيات  وغابة الفلسفة ،

 أما المغامرات  فتنقسم إلى ثلاث، الأولى في مصاحبة رولان بارت الكاتب و الناقد و السيميولوجي الفرنسي(1913-1980)و تتعلق في مساره السيميولوجي الفريد  و الغريب( في نهاية حياته) هذه المصاحبة النكدة التي  اعتنت بأفهوم الموت  و مراسيم الحداد و يومياته ، المؤلف هنا لم يقدر على مشاق المصاحبة دون مترجم ، حيث لم يكن يقرأ بارت في لغته الفرنسية الصعبة ، فظل رأس المترجم ينقل للمؤلف نحو  ما لم يفكر فيه المؤلف، اللغة تختلف ، طبيعة الوعي متفاوتة ، قيمة العرض البارتي أعلى  درجة و أسمى منزلة مما سيقدمه المؤلف، و من حسن الصدف تناول المؤلف تلك الملامح البراقة في حياة بارت في آخر سنوات انطفاءاته(1980)هنا سأتحدث في النقاط التي كان المؤلف يفكر بها، في حدود ما لا يمكن التفكير فيه، فرولان بارت ليس وحده في هذا الصقع من عالم الكتابة ، معه حضارة القرن العشرين ، رهط من السيميولوجين الذين ملأوا القرن بعوالمه ضجيجاً ، من سوسير و بلمسيلف و بيرس  و موريس بلانشو و غريماس و جاك فونتاني إلى اللانهاية من مزاولة علم العلامات ، و من سخريات تفكير المؤلف أن أطلق على ( كتابات من منظور مختلف) وابلاً من صفات تنعته بالمغامرات، كي يكتشف كذبه كمؤلف عربي لم يتعلم الفرنسية ، معتمدا على خطابات الترجمة ، و مما زاد الطين بلة إيغال المؤلف في متاهات علم  العلامات ( السيميولوجيا) في مغامراته الثانية  التي اقترحها مع لوتمان و إدورد هال  و غيرهما ، بيد إن تلك المغامرات السيميولوجية كان ينقصها التفكير ذو المناخ المحلي ،من حيث يمكن لمؤلف عربي من الشرق الأوسط فهم تلك المنهجيات  ، إذا لم تكن مترجمة ، إن أشد ما يعانيه المؤلف القراءة القذرة(!؟) التي ترتهن  فهم  المؤلف  في  إثبات براءة الترجمة  ، فالقراءة هنا تحمل معها تكهنات  المترجم ، و تكوين خطابه  و سماكة أسلوبه ، فإذا ما توفرت الترجمة النقية ، من يضمن اللغة ؟ فاختلاف اللغات يسبب نكسة  في عمليات التبادل  ، لأن تلك اللغات  تحشد كل ما أوتي لها من مقدرات و حيل و مكائد من أجل  أن تحظى بالسبق على صويحباتها ، فاللغة و المعنى  يؤسسان نقاطاً خلافية  بين اللغات تعرقل سير الترجمة بينها بسلاسة ، و لطالما  عاب فتغنشتاين  على اللغة ذلك الغموض الذي سماه ( الألعاب اللغوية ) فهي مثل قطعة الشطرنج تكون النقلات بين المربعات  هي معيار التسابق، و المؤلف الجيد يسقط  بيادقه المترجم  في لعبة ( كش ملك)  الفاصلة ، و في الاتجاه الذي سار عليه المؤلف في هذا الكتاب، أن راهن على نقل  المعرفة  من عالمها الغربي ، المعرفة التي لن نجدها لدينا بصورتها الأساسية ، فتتحول كل المركزيات المعرفية في المعرفة الغربية نحو مؤسسات تمثل البناءات المهمة في إنشاء هويتنا المعرفة ، أي كيف نفكر برأس أجوف ؟برأس خلقته معرفة وافدة لا تجمعنا معها سوى أقنعة الواقع المعرفي  بتعبير بورديار؟ أي ( لطالما نفى بورد يار الواقع بكل مصاديقه و اعتباراته محتذياً رؤية بيركلي و جون لوك حتى هيرقليطس) إن النزول إلى نهر المعرفة الغربية  وحدك يعني النزول نحو مخاطرة الغربة ، لهذا عندما نقرأ المحتويات التي تطالعنا في الكتاب ندرك إنا غرباء ، الكتابة غريبة ، و القراءة أيضاً ، وحدها اللغة ذات الأساس التواصلي ، في تفكير المؤلف ليس ثمة مخاطرة اوجب من أن تشد الرحال نحو المعرفة الغربية ، حيث الفرق واضح ، فالأساس في صدمة الإيمان كما حاول ألفين توفلر ( 1928-2016 ) عالم المستقبليات الأمريكي في إيضاحها في كتابه ( صدمة المستقبل  المتغيرات في عالم الغد) لنعبرعن صدمتنا و فزعنا و إحساسنا بالعزلة في عالم ما بعد الحداثة ، أن تتعود على السفر بقطارات  الأنفاق و عيوننا مغمضة   ، و أفواهنا  فاغرة من الدهشة في عدم الاستيعاب  لمعرفة غربية تمتد بحداثثتها منذ القرن الشامن عشر، و أقول أنت تفكر بعالم المحرمات  و الانتهاكات  وفق وصف جورج بتاي،أما التفكير في الغرب ، فوضعه مختلف ، ليس هو كالتفكير ضد الغرب ، فالأمر بحاجة للمواجهة الذاتية ، يجب أن تفكر على قدر تساؤلك ، لتأتي مغامرات المؤلف على قدر سؤاله العميق المزعج لم نهتم  بالفلسفة الغربية  “ كأنما لم يكتف المؤلف العربي بطمطمة جراحات الهوية الممزقة بوأد أصل التفكير ، لكي يوقظ الفتنة في عالم عفاريت المعرفة القذرة التي تدور في دهاليز عالمه ، بيد إن المؤلف كما سنقرأ بوصفه مفتوناً بأبنية فكر الغرب و سحر الغرب ، وما يمتاز به الوعي الغربي بالعقلانية  التي ورثثها من عصر بيكون  و ديكارت و سبينوزا و لايبنتز و باسكال حتى  كانط ، لم تتح له  الوقوف عند الفارق الباهظ التكاليف بين ما عاشته  اوربا مثلاً  في عصور الظلام و غلبة السلطة الكهنوتية الكاثوليكية  من عبودية الإنسان إلى عصر الاصلاح الديني و عصر التنوير ، المؤلف في هذا الكتاب قد شطب على آلاف الصفحات التي أشرت على التطور البطيء لفكر الغرب ، و فلسفة الغرب ، و تناسى أعداد الضحايا من مفكريهم  و فلاسفتهم  و كتابهم و دعاتهم و علمائهم ، من كلا الجنسين ، و اعتقد إن الطريق ليس وعراً  لدرجة المقت ، و يظل المؤلف مصراً على إن  التفكير  يستطيع مساعدة  الإنسان و دعمه في حالة لو ابتغى  التصرف في القضايا التي  لا مناص من الاقرار بأنها لا تفكير فيها، بسبب عدم قدرتها  على لمسها  للحقيقة