أشرعة الفساد تغرق العباد

آراء 2023/02/22
...

  حسين رشيد


لا يزال ملايين العراقيين يرزحون تحت خط الفقر، رغم الثروات الهائلة التي ينعم بها بلدهم، التي يمكن أن تجعله في مصاف الدول الأغنى في العالم، ويأتي ترتيب العراق التاسع عالميا في امتلاكه الثروات الطبيعية، إذ يحتوي على نحو 11 % من الاحتياطي العالمي للنفط، و9% من الفوسفات والمعادن، فضلا عن الموارد الثمينة الأخرى، لكن مع كل ذلك وغيرها من الثروات السياحية والطبيعية، ارتفعت نسبة الفقر إلى 25 % في العام 2022، لكن لماذا ترتفع نسبة الفقر، ولماذا هناك مواطنون تحت خط الفقر في العراق الغني؟ الذي يصدر شهريا ملايين البراميل من النفط بعائدات تتراوح بين 8- 9 مليارات دولار.

المتغيرات السياسية بعد 2003 وما رافق هذا المرحلة من إرهاب واقتتال طائفي هي أحد الأسباب التي أخلّت بنظام الحكم، فضلا عن الفساد المغطّى أو المحمي الذي أنتج فئة ثرية جدا، وأخرى فقيرة معدمة جدا، وما بينهما فئات تصعد وتهبط، أمّا مزاد العملة اليومي الذي يشرف عليه البنك المركزي العراقي فقد يكون أحد أوسع أبواب الفساد والإثراء وضياع الأموال فما يقارب (60%) من إيرادات النفط تذهب إلى الخارج بحجة الاستيراد، ومن المفترض أن ترتفع نسبة عائدات الضرائب والجمارك ولو لرقم مقارب، لكن الذي يراجع حجم وأرقام الاموال وفاتورت الاستيراد، وبين عائدات الجمارك سيجد الفرق كبيرا جدا، 10 - 15 % من نسبة 60 % فقط هو ما يذهب للاستيراد، أما المتبقي فهو عبارة عن غسيل للأموال وإثراء على حساب المال العام وقوت الفقراء. 

بعد مزاد العملة تتنوع أبواب الفساد والإثراء التي تزيد من نسبة الفقراء، لكنه يبقى الباب الأول والأوسع، متسبباً بفتح بوابات الاستيراد لكل حاجة استهلاكية في البيت العراقي، وتسبب بقتل الصناعة والتجارة وهو في طريقه لقتل الزراعة أيضا، فالدول التي تصدر مختلف البضائع للعراق، حتما ستسهم بإبقاء الحال كما هو، بل قد تذهب إلى أبعد من ذلك، ولأن كل العوامل والمتغييرات والاصطفافات والصراعات السياسية تصب بمصلحتها، فلم يكن الأمر يصعب عليها، في ظل وجود أشخاص مستعدين لفعل كل شيء مقابل حفنة من الدولارات، حتى وإن لم يوجه لهم الامر بذلك، فقد نزع الكثير منهم ثوب الوطنية والاخلاق والقيم، وتحول إلى وحش من الجشع والطمع والدخول في تسابق مع امثاله من يجمع اموالا اكثر وباي الطرق. 

فشلت جميع الحكومات السابقة بإعادة (صنع في العراق) إلى أسواقه، أمّا إذا نجحت هذه الحكومة بدعم وتوجيه أميركا، واستفادت من فتح وتشغيل فروع للشركات الأمريكية والأوربية، وصناعة ما يستورده العراق من بضائع إيرانية وتركية وصينية تصل سنويا إلى قرابة 50 مليار دولار، فإنها ستسهم بتوفير فرص عمل كثيرة بالاستفادة من ثروات البلاد، والموارد الطبيعية، وستسهم بافتتاح مشاريع صناعية خاصة صغيرة ومتوسطة تكون أسسا لصناعات أكبر في المستقبل، والأهم من ذلك الحفاظ على الدولار الأميركي في العراق، كل ذلك من شأنه أن يقلل الفوارق الطبقية بين الشرائح المجمتعية العراقية، ويقلل نسبة الفقر، ويساعد في بناء مجمتع وفق أسس العدالة الاجتماعية، وتنوع الايرادات الوطنية، التي حتما ستحسن تقديم الخدمات وبوجه الخصوص الصحية والتعليمية للطبقات الفقيرة والمتوسطة.

غريب امر هذه البلاد التي تستورد في العام الماضي 33,9 طن ذهب بقيمة تصل إلى 2 مليار دولار، تزيد على ما استوردته في العام الذي سبق حيث كانت 1,5 مليار دولار فقط، وفقراء هذه البلاد يبحثون في اكوام القمامة عما يمكن بيعه، أو استعماله.