حارث رسمي الهيتي
تنشغل الحكومات التسلّطية في العالم بإيجاد بدائل هادئة وعملية يكون من شأنها أن تجعل مواطنيها أكثر انصياعاً لقراراتها، أو أن تبقى معارضتهم لتلك الأخيرة تسير وفق ما يرسم لها، دون أن تحدث ضجةً أو تصبح دوياً يزعج الحكومات تلك، أو يجعلها في موقف الدفاع عن نفسها أمام المجتمع الدولي، والذي يتغاضى هو الآخر ارتباطاً بمصلحة هنا أو هناك عن جرائم يهتز لها الضمير الانساني.
يقابل هذا انشغال الدراسات الحديثة في السياسة بفضح هذه الممارسات والفات النظر إلى خطورتها وعواقبها، يساندها ناشطون ومدافعون ورافضون للتسلّط والإذعان وحركات احتجاجية ترى أن من حقها أن تقتحم المجال العام، وألا يبقى حكراً على رجالات السلطة وحدهم.
أكثر دول الحكومات التسلطية لم تبدأ تسلطية، بل سارت تدريجياً وبوسائل ديمقراطية، حتى قبل أن تجعل من نفسها سيفاً على رقاب مواطنيها، إلى ان تصل بشعوبها إلى مرحلة "الحيطان الها أذان".
وهنا تكمن أهمية الانتباه إلى التسلط وتمييزه ومحاربته حتى في مرحلته الجنينية، فهو يبدأ قزماً يمكن الوقوف بوجه وسحقه قبل أن يصبح غولاً نخشاه أو نفنى ونحن نحاول الخلاص منه.
تشير ايريكا فرانتز في كتابها (السلطوية.. ما يجب ان نعرفه) إلى جملة مما يمكن اعتباره علامات على تسلّط هذا النظام أو ذاك، بداية من مناصب السلطة الرفيعة التي تذهب عادةً إلى موالين للكتلة الحاكمة، مروراً بوضع الإعلام تحت سيطرة النظام، وهذا غالباً بفرض رقابة على وسائل الاعلام والتضييق على الصحفيين الناقدين للنظام، وصولاً إلى تبني تعديلات دستورية تمنح الكتلة الحاكمة سلطات أكبر، وتصفها باعتبارها محاولة لإضفاء الشرعية على محاولات انتزاع السلطة.
واحدة من العلامات الواضحة والتي متى ما ظهرت اصبح من اليسير النظر إلى الدولة/ الحكومة، باعتبارها تسلطية هو محاولاتها تأطير القمع هذا بأطرٍ قانونية أو تشريعية، مستخدمةً مفردات مطاطية يسهل عليها لي عنقها واعادة تفسيرها باختلاف الزمان والمكان.
يكون ظاهرها محاربة ظواهر يتفق الجميع على أنها تافهة وسطحية، وربما تشكّل خطراً بدرجةٍ من الدرجات، ولكن خطورتها أقل بكثير مما يشرّع في سبيل مكافحتها.