ريسان الخزعلي
كثيراً ما يواجه المثقف العراقي بسؤال صادم عن موقفه من التحولات التي تحصل في البلاد، وبخاصة الحراك الشعبي الذي ينشد الحرية وتحقيق الأهداف الطموحات التي ينشدها المجتمع. والسؤال لا يخلو من تلميح خفي يشير إلى ضعف موقف المثقف العراقي.
ونظراً لتهافت هكذا سؤال وعدم واقعيته من الناحية العملية، فإنَّ التوضيح يكتسب أهميته:
كما هو معروف، إنَّ المثقف لايملك عدّة السلاح، لكنه يتمترس بوعيٍّ عالٍ قادرٍ على الكشف والاكتشاف بطريقةٍ تتفوق على الملامسات السطحية للأحداث والتحولات التي تحصل في مجتمعه.
ومن هنا يكون دوره حدسياً، تحليلياً، واثقاً وسابِقاً لغيره، انه الضوء والمجس في الوقت ذاته. في الحراك الشعبي الأخير تفاعل المثقف بدراية العارف مع طبيعة المحركات لهذا النوع من الحراك، أسبابها ومبتغياتها، ومن ثم توصيف الحلول الناجعة، وهكذا أشارَ وكتبَ وساهمَ ميدانياً، لأنه فرد من المجتمع وليس فرداً في المجتمع، إلّا أن هذا التفاعل لم يكن في الحد المطلق، كون التباين في مواقف المثقفين ما زال يحدُّ من تكوين الرؤية الواحدة نتيجة لتشعب المنابع الثقافية والفكرية والسياسية وقوّة سطوة السياسي الطاغية التي ترى فهم التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية بمنظار آيديولوجي واحد بعيداً عن المتغيرات العالمية.
أما وعي المثقف ابداعياً مع مراعاة ماتقدّم، فإنَّ الارجحية واضحة في مساندة الحراك الشعبي، حيث المشاركة الادبية المتنوعة الداعمة:
المقالات، الدراسات، الشعر، القصة، الاغنية، المحاضرات، اللوحة، اللقاءات المرئية، تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها الكثير.
إنَّ المثقفين كتحديد إحصائي يمثلون القلّة في المجتمع، ورغم هذه القلّة، إلّا أنهم النوع الذي منح الحراك الشعبي معناه الفكري والجمالي والبعد السلمي وصولاً إلى تحقيق الغاية النبيلة من هذا
الحراك.
من هنا لا بدَّ أن يكون تقييم وفهم المثقف من قبل الدولة منسجماً ومتواشجاً مع هذا المعنى، لأن الإنصات إلى الطروحات الفكرية والفلسفية والثقافية غالباً ما يوفّر الحل، ولنا في تجارب عالمية متعددة الدليل الراسخ وقوّة الاستنتاج. حيث أثبتت تلك التجارب أنَّ المثقف هو المتن في كل التحولات التي تحصل وليس الهامش، وبذلك تكون مراجعة التغافل لدور المثقف في واقعنا السياسي وتفرعاته حتميّةً وواجبةَ التحقق من أجلِ وجودٍ أبقى وحياةٍ أنقى وانسانٍ أرقى...