زلزال سقوط الأقنعة

آراء 2023/02/23
...

 أحمد حسين

 لم يكن فجر السادس من شهر شباط 2023 يوماً عادياً في تاريخ البشرية المعاصر وبالأخص تاريخ الشرق الأوسط، زلزال مدمر ضرب تركيا وسوريا واستيقظ العالم على فاجعة إنسانية، ما زالت أوجاعها تتوسع يوماً بعد آخر وجراحها تنكأ كلما تم انتشال جثث جديدة تحت الأنقاض، وحتى عندما يتم العثور على ناجين فهو ليس بالخبر السار فلربما هذا الناجي سيكون فرداً من عائلة أبيدت بالكامل ولم ينجو سواه.

ضحايا بعشرات الآلاف، مصابون تجاوز عددهم 100 ألف إنسان، بعضهم ربما ينضم إلى طابور النعوش المحمولة على الأكتاف لخطورة إصابتهم، والبعض الآخر ربما يتعافى جسدياً لكن نفسياً سيعيش مع جرح غائر يصعب شفاؤه، مشردون ومتضررون بمئات الآلاف أو بالملايين بحسب تقارير لمنظمات أممية، خسائر بعشرات المليارات من الدولارات، وعشرات الآلاف من المباني المسواة بالأرض وأخرى لم تعد تصلح للاستخدام بل أنها تمثل خطراً قائماً، بعضها لا يمكن إزالته أو تحجيم مخاطره لكون الزلزال ضرب أحياءً سكنية عمرها عشرات السنين متراصة بعضها ببعض ويستحيل فصلها إلا بهدم يتسبب هو الآخر بخسائر مادية إضافية.

مأساة حقيقية قلَّ نظيرها في عصرنا الحاضر وهي الأكثر فداحة في قرننا الحادي والعشرين، كل ذلك يتطلب بطبيعة الحال تكاتفاً بشرياً عابراً للحدود الجغرافية والسياسية والعقائدية والعنصرية وحتى العرفية، هذا ما كنّا نتوقعه بل هو الواجب الإنساني المفترض تقدمه على ما سواه، وبالأخص من دول وأنظمة وشعوب تدعي -أقول تدعي- أنها تضع الإنسانية وحقوق الإنسان في مقدمة خطاباتها، لكن اتضح أنها مجرد خطابات منافقة وكاذبة ولا تمت للإنسانية بأي صلة، بل هي مجرد دعاية انتخابية وسوطاً تجلد به أنظمة العالم الأول -افتراضاً- أنظمة العالم الثالث -افتراضاً أيضاً- حين لا تنصاع لسياساتها التوسعية 

الاستعمارية.

بعد ساعات من صدمة الزلزال المدمر وعودة الوعي للناس تحولت مسارات السماء إلى جسور جوية متشابكة، لكن الصدمة الأشد وقعاً من صدمة الزلزال كانت في نقاط التقاء هذه الجسور العنصرية وليست الإنسانية، حيث تبين خرائط الرصد الجوي لحركة الطائرات أنها جميعاً تتجه من أوروبا وأميركا نحو تركيا على الرغم من استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، في حين تمَّ تجاهل المأساة السورية بشكل فج ولا ينم سوى عن عنصرية بغيضة قومياً وعقائدياً، على الرغم من أن سوريا كبلد وكشعب في حالة انهيار ودمار منذ 12 عاماً، ورغم ذلك لم تصلها إلا طائرات معدودة على أصابع اليد توجهت إلى هذا الشعب المنكوب، وأكاد أجزم بأنها مساعدات من أناس يرتبطون بشكل ما مع الشعب السوري سواء بالهوية الوطنية أو الدينية أو المذهبية أو القومية.

ذريعة العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري لا تعني حرمان المنكوبين الأبرياء من المساعدات الإنسانية، وبالإمكان إيصالها للمحتاجين إليها بشكل مباشر وليس عبر النظام السوري، لكن يبدو أن الزلزال وما خلفه من نكبة إنسانية قدم على طبق من ذهب خدمة للوحش الرأسمالي التوسعي ليستثمر هذه المأساة كعصا يجلد بها الشعب السوري، وليس النظام السوري ورئيسه الذي يوزع الابتسامات

 المجانية.

حين يكون معيار الإنسانية هو كم يمكن تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية حينها تتحول الإنسانية إلى غابة ممسوخة لا تسكنها حتى الحيوانات المتوحشة، لأن حتى هذه الحيوانات لديها قوانين تحكمها.