المرأة في الأدب الفرنسي

ثقافة 2023/02/23
...

  شلو كانديلير

  ترجمة: ياسر حبش

إذا أخذنا تعريف حالة الأنثى من وجهة نظر اجتماعية، يمكننا أن نعترف بأن التوقعات العالية قد أثرت على النساء على مر القرون، على الرغم من أنها تطورت باستمرار. هناك عوامل مختلفة هي أصل تطور أدوار الجنسين، وكما سنرى، تؤثر هذه العوامل على حياة الأفراد على مستويات وأزمنة متعددة، بشكل عام، يمكننا أن نعترف بأن المجتمع الأبوي قد شارك دائما في تطوير “أنموذج” أنثوي، والذي له جانب معياري ويحدد ما يجب على المرأة القيام به للتحقق من وضعها والتوافق مع التوقعات المختلفة التي تم تعيينها، حيث تشترك التوقعات التي تنطوي عليها أدوار الجنسين في الخصائص الاجتماعية، الموصوفة على أنها قواعد يفهمها أعضاء المجموعة، والتي توجه و/ أو تقيد السلوك الاجتماعي من دون قوة القانون. دفعت هذه الرموز المختلفة، المقيدة إلى حد ما حسب العصر، النساء إلى العمل والرغبة في القتال.

في العديد من المجتمعات منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم، طالبت النساء بمزيد من الحقوق. في بعض البلدان، إذ يتم إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الحقوق أو دعمها بموجب القانون والعادات والسلوك المحلي، بينما في بلدان أخرى قد يتم تجاهلها أو قمعها. ومع ذلك، فإنَّ الدفاع عن حقوق المرأة ضروري لتحقيق مجتمع أكثر مساواة.

فضلا عن ذلك، يمكننا أن نرى أنّه عبر الأنواع الأدبيّة، تم تصوير صورة المرأة بطرق مختلفة. هل حالة الأنثى في الأدب، إذن هي انعكاس لمكانتها في المجتمع؟


العصور الوسطى: اغتراب المرأة

كانت العصور الوسطى فترة متناقضة في ما يتعلق بصورة المرأة، فيه تتمتع نساء الطبقات الدنيا، ومعظمهن ريفيات، بحرية معتدلة في فرنسا ويُعتبرن راشدات من سن الثانية عشرة، مما يسمح لهن بالاعتناء بممتلكاتهن والزواج وحتى التصويت. ويعملن بقدر ما يعمل الرجال سواء في الحقول أو في المدينة. كما أنّهن يقضين الكثير من وقتهن في رعاية صغارهن.

من ناحية أخرى، يصور الأدب المرأة في المجتمع بطرق مختلفة، اعتمادًا على ظروف كل منها. من ناحية، يتم تمثيل نساء الشعب كخادمات ولديهن ظروف معيشية متواضعة، كما في تريستان وإيزولت (1170)، إذ يقدم لنا بيرول رؤيته لامرأة الشعب على أنها فقيرة وأحيانًا متعبة. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنعهن من لعب أدوار أساسية في بعض الأعمال عبر التاريخ. من ناحية أخرى، تمثل النصوص الأدبيّة في العصور الوسطى نساء أكثر نبلاً، في شكل ملكات أو محاربات. إنهن شخصيات أسطوريّة أو تاريخيّة، مثل نساء الأمازون ذوات السمات الجذابة للمحاربات اللاتي يخشين الاتصال البشري. وهناك جان دارك بشكل خاص التي كانت واحدة من أشهر الفارسات في التاريخ. خلال هذا الوقت، أجبرت الأوبئة والحروب النساء الفقيرات على ممارسة أعمال غير مناسبة من أجل البقاء، مما أدى إلى تدهور أوضاعهن خلال هذه الحقبة. أصبح الخضوع لشخصية من الذكور أمرًا راسخًا الآن في القوانين ويعتبر الأب صاحب السلطة المطلقة. 

بعد ذلك، لم تعد المرأة تسيطر على ممتلكاتها ولم يعد لديها أي سلطة لاتخاذ القرار بشأن صغارها أو أسرتها. فضلا عن ذلك، تعد الكنيسة أن الغرض الوحيد من الجنس هو الإنجاب. لهذا السبب، في القرن الرابع عشر، يشرح العمل المجهول “ميسناجييه باريس” (1393) السلوك الجيد الذي يجب أن تتبناه للمرأة داخل منزلها، وفقًا لهذا العمل، يجب على المرأة أن تضع زوجها فوق كل شيء، وعليها واجب محبته وطاعته وخدمته. يصبح ضرب زوجته عملاً طبيعياً، بل وينصح به أحياناً في حالة العصيان، قتل امرأة أو سجنها، أو يمكن أن يسمح للزوج على وجه الخصوص بالزواج مرة أخرى في وقت لاحق.

في القرن الثالث عشر، تغير وضع المرأة حيث كان عليها أن تخضع تدريجياً للكنيسة وتقرر أن تقتصر على الصلاة، مما يحد من تعليمها تدريجيًا. يمكن تفسير هذه الظاهرة بحقيقة أن المرأة تجسد تعويذة الشر بالنسبة للكنيسة. محاكمات الساحرات، صرخات حقيقيّة من الكراهية ضد النساء، هي تتويج لقرون طويلة من كراهية رجال الدين للنساء. في الكنيسة، يتم إطلاق العنان للعدوانيّة والتحريف الجنسي من قبل المحققين ضد النساء. حتى أنّه كانت هناك أدوات تعذيب محددة للنساء، مثل البصلة المهبلية، ومخالب الثدي، والعناكب الإسبانية، وحزام العفة، وأقنعة العار، وبصلات الفم. تتضمن القصة المجهولة بيردريكس (القرن الثالث عشر) حالة مثيرة للاهتمام لسوء الفهم للمرأة. تقول القصة “ولدت المرأة لتخدع. في فمها الكذب يصبح حقيقة والحقيقة كذبة” لذلك تقدم هذه النصوص النساء كمغريات أو كشخص ساذج.


القرن السابع عشر: الحتمية الجندرية

يتميز القرن السابع عشر بالحيوية الاستثنائية للأدب الفرنسي. في ما يتعلق بالمرأة، يُنظر إليها على أنها وسيلة للرجل لضمان وراثة نسله وكذلك الحفاظ على الأسرة. لا توجد طبقة اجتماعية بمنأى عن هذا الوضع المهين، وتعليم الإناث موجه بالتأكيد نحو الزواج. ظهرت موجة من المبادرات في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وتركزت بشكل خاص على تعليم الإناث لأن الفتيات الصغيرات يظهرن وكأنهن أفضل الأهداف لتحقيق المثل الأعلى للمجتمع الكاثوليكي. توفر التجمعات المخصصة لهن مدارس مجانية للفتيات الفقيرات وبيوتاً داخلية مدفوعة الأجر للشابات الثريات. كان غزو تعليم الفتيات أكبر في ثمانينيات القرن السادس عشر عندما صمم ثلاثة مؤلفين خططًا تعليميّة للفتيات الصغيرات. بادئ ذي بدء، نشر رئيس الدير والمؤرخ كلود فلوري رسالته حول طريقة الدراسة في عام 1685، وقدم للفتيات خطة تعليمية احتل فيها التعليم الديني المركز الأول، أكثر منه عقائديًا. بعد ذلك بعامين في عام 1687، كتب اللاهوتي فينيلون أن “ما من شيء أكثر إهمالاً من تعليم الفتيات”. ينطبق الأمر نفسه على روسو الذي كان لا يزال يحدد مكانًا دقيقًا وتقليديًا للمرأة في عام 1762 في إيميل أو التعليم.

كان القرن السابع عشر فترة نمو من حيث مراعاة الفكر الأنثوي واحترامه، كما كان بمثابة نقطة تحول في ما يتعلق بحرية التعبير للسكان الإناث في المجتمع الراقي بفضل النساء المثقفات، إذ يحيلنا الأدب الثمين إلى شخصيات العصر التي كانت قادرة على تلقي تعليم لامع، هذا هو الحال بشكل خاص مع مدام سيفيني، مدام كرينو، مدام دو لا فييت، مدام دو لا سابليير ومدام داسيير. على الرغم من أن حالة الفلاح لم تتطور بشكل كبير، إلا أنّ المرأة من طبقة النبلاء العالية، بفضل الصالونات الأدبيّة، أصبح يمكنها التعبير عن أفكارها حول مواضيع اجتماعية مختلفة.

لم يتم قبول ممارساتهم بالإجماع من قبل بعض الرجال المشهورين في هذا القرن، وقد عانين انتقادات عديدة حتى أطلق عليهم لقب “الساخرات المتحذلقات”. مؤلفون مثل ابي دو بور، سوميز وموليير في مؤلفه “النساء المتعلمات” 1672 و “الساخرات المتحذلقات” 1659 سخروا من ممارساتهن المفرطة، وقد أسهم ذلك إلى حد كبير في هذا النقد القاسي، على الرغم من تصويرهم للمرأة على أنها خاطئة، لأنّها مفرطة. ومع ذلك، على الرغم من أن النساء يتعرضن للنقد، إلا أنّهن يتمتعن في هذه الصالونات بالحق في التعبير عن أنفسهن بحرية في العديد من

الموضوعات.

لذلك فإنَّ القرن السابع عشر هو ما يسمّى بالفترة “المختلطة” في ما يتعلق بحقوق المرأة، وكان على الرغم من أن لديهن مبادرات موجهة لصالح المعرفة والأدب، يحاول بعض الرجال

تشويهها.