الشك والزمن

ثقافة 2023/02/23
...

  أحمد محمد جاسم


الشك فكرة فلسفيّة قديمة لها أثر كبير في العمليّة المعرفيّة، تطورت لتصبح مذهباً، كونها فكرة واسعة تدخل في الجانب المعرفي.

   وفلسفة الشك قائمة على البحث والتريث قبل البتّ في الأمور، وهي تفرّق بين الشك عند العوام والخواص؛ فعوام الناس يحكمون على الأشياء بسرعة من دون إعمال الفكر، خلافا للخواص الذين يتريّثون في الحكم على الموضوع، إذ إن كل شيء صائب قابل للخطأ، وكل شيء خاطئ قابل للصحّة، لهذا فكل ما يطرحه الفرد من فكرة أو رأي لا تؤخذ على أنّها أمر مسلّم به، وهي قابلة للشك من حيث إنّه عملية فكرية يجريها الفرد في ذهنه. وكما يقول باولو كويلو: (لا شيء في الدنيا خاطئ تماما، حتى الساعة المتوقفة تكون صحيحة مرتين في اليوم).

 وقد ورد الشك في عدة علوم؛ منها الفلسفة والمنطق والأصول والنحو وغيرها، واتفقت أغلب تعريفاته على أنه علاقة بين طرفي النقيضين، من حيث التساوي أو ترجيح أحدهما على الآخر.  والشك في النحو تركيب دال على تساوي الطرفين أو رجحان أحدهما على الآخر من طريق أدوات وسياقات مخصوصة.

    وعلى الرغم من اهتمام الدراسات اللغويَّة بالعديد من التراكيب اللغويَّة إلّا أنّها لم تهتم بموضوع الشك اهتماما كبيراً، فتلك الدراسات لم تضع تصنيفا خاصا لأدوات الشك أو أساليبه أو تراكيبه المختلفة، على الرغم من وجود أدوات كثيرة وتراكيب لغويَّة تتعلق بالشك كونه موضوعا نفسيا واجتماعيا، مثل (إن الشرطية وأو وأم ورُبَّ وقد) وغيرها من الأدوات والأفعال والأساليب التي ترد في سياقات الشك.

   واتفق النحاة على أنّ الشك مقصور على استعمال تلك التراكيب والأدوات، ولم يهتموا بدلالة الشك في الزمن المستقبل، وهي دلالة واضحة على الشك تنشأ عند استعمال التراكيب اللغويّة التي تدل على المستقبل، فالتركيب الذي يصف حدثا لم يقع بعد يمكن تصنيفه من التراكيب الدالة على الشك، خلافا للتراكيب التي تصف أحداثا وقعت والتي تدخل ضمن تراكيب دالة على اليقين، إذ لا يتولد الشك من الحدث الذي وقع، كونه معلوما والعلم نقيض الشك.    وعلى وفق ذلك يمكن عدّ التراكيب المستقبليّة واحدة من أساليب الشك التي تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة. فالشك الذي يتولد من تلك التراكيب اللغويّة المستقبليّة يعد من وجهة نظري واحدا من مصاديق الشك، فعدم الوقوع يدل على عدم العلم، وعدم العلم جهل، والشك ضرب من الجهل، وهو في الأقل تساوٍ لإمكان حدوث مع عدم حدوث.