حين يتحوّلُ كلُّ شيءٍ في المعتقل إلى منتجٍ فنِّي

ثقافة 2023/02/25
...

 يقظان التقي 


استضافت جمعية «غراند جنكشن» (Grand Junction) في لندن وعلى مدى 15 يوما معرضاً يحمل عنوان “الحياة ما بين دمشق ولندن” للكاتب والسياسي السوري فايز سارة، أنجز معظمه خلال فترة اعتقاله في سجن عدرا في سوريا.

ضمَّ المعرض، نحو مئة عمل يدوي موزعة ما بين لوحات، ومجسّمات، واشغال تقليديَّة تحمل معاني الحياة والحرية، أنجزت خلال الـ 15 سنة الماضية، على مرحلتين؛ الأولى في أثناء اعتقاله بالسجن، في ريف دمشق ما بين عامي 2008 و2010، عندما قرر مع أصدقائه المعتقلين تمضية الوقت في الأشغال اليدويَّة، ومن موتيفات تلفة وعادية، تحولت إلى منتج فني آخر. بينما أنجز القسم الآخر من أعمال المعرض في أثناء إقامته الحالية بالعاصمة البريطانية لندن.

ومن واقع سيرة المدينتين، جرى اشتقاق عنوان المعرض “الحياة بين دمشق ولندن”. انتاجات فنيَّة من أيِّ شيء، صناعة تحديات الاعتقال السياسي والبحث عن الانعتاق، الذي يمثل جسوراً، بين حياة الإنسان في بيئة يسود فيها الاستبداد والمآسي، وتدمير كل مظاهر الحياة، وحياة الإنسان في بلد، يوفر أسس الحرية وكرامة الإنسان، ويصون حقوق الإنسان، وفق ما ورد في بيان الجمعية المنظمة للمعرض. 

على الرغم من تنوع أعماله، وبمستويات مختلفة، فإنّ أغلبها مشغول من مواد معاد تدويرها كالخشب، والزجاج، والكرتون، وبذور التمر، والزيتون، وبقايا القهوة، والشاي، وعلب معدنية، وشرائط نحاسية.

 المعرض أقيمت أنشطته باللغتين الإنكليزية والعربية، مع اصدار كرّاس باللغتين، يتناول بصورة مكثفة أعمال المعرض، ومختصراً عن تجربة فايز سارة في ميدان العمل العام، وفي الصحافة والكتابة، ومساره في التغريبة السورية، التي دفعت الملايين من السوريين إلى الخارج، بانتظار الحل السياسي، الذي يشكل فرصة العودة إلى البلاد.

هو المعرض الفردي التشكيلي الأول لسارة، وواقيمت فعالياته في مقر جمعية “غراند جنكشن” الكائن في (Rowington Close W2 5TF) بلندن، وشكل مساحة تعبيرية، شهدت مشاهدة واسعة من اصدقاء الفنان، ومن زوار المعرض الانكليز، الذين تنفّسوا روح الحرية، في تجريب فني، يعكس جزءا من التحولات السياسية والاجتماعية، والثقافية في سوريا في العقدين الأخيرين، ما قبل الثورة السورية، وما بعدها، في أعمال  تعلن التصاقها بادوات العيش، ليست المثلى ابداعيا، تعبيرا عن مشاعر شخصية تمثيلية لحياة  كانت فقيرة قاسية، مسرحاً لمعاناة، ولظروف اعتقال مأساوية. فايز سارة يوثق تلك المرحلة في قراءة ليوميات المعتقل، باشغال ذهنية أكثر، نوعا من الشفاء، معالجة ذاكرة وقعت لسنوات في قبضة السجان، ودفعت أثمانا غالية. ذكرى يحدها ماض أحيانا، وتطل على مستقبل وحاضر المدينة، بكل تلك الأدوات الأولية الطالعة من عمق المآسي وعبث، وجنون الأوضاع السورية، مقارنة مع أمزجة المدن، التي لا تعيش تناقضات، وصراعات، ولا معقوليَّة يوميات خانقة، وبالانتقال من زمن لآخر. قد تكون الأعمال ثانويَّة. لكن يعود اليها سارة بكل عنفوانه، في معلقات رمزية، يحملها إلى المجتمع الإنساني المفتوح، والايقاع الفني الممسوك، أهم من الأعمال المعروضة نفسها، إذ تشير إلى ذاتية متدفقة بالحياة، ومتشظية بمشاعر التجاوز، والحرية، لكن بجزئية تفتح الإحساس بالفاجعة، وتنتقل إلى خلاص جماعي للشعب السوري من انهياراته العمياء، من الذاتية إلى الجماعيّة، في تجربة فنيّة، تجريب فني، أي جعل الفن في خدمة الثورة، بالعمق الشعوري المحسوس، الذي كان محور تأثير واقعي في مواكبة معرض، وهكذا شغل في حب الحياة والتوازن. معرض لا يخضع لأي تصنيف (يقول سارة أنا لست فنانا)، غير التاريخ لمعاناة، في أوضاع اقتلعت الروح، ليدخل الفن، ويجذب الانتباه إلى أحد رموز الثورة السورية، الذي يأتي في معرض لا تنتظره، يروي قصة دراميَّة، لكن عذبة 

وجميلة.