تحت ظِلال المعاناة

آراء 2023/02/25
...

 رعد أطياف


أغلبنا يهرب من المعاناة والحقيقة ما نفعله هو مصداق لهذه العبارة: «هارب منكَ إليك»، وما من لحظة سرور تمر علينا إلا وتخلّلتها معاناة لكونها لحظات مشروطة سرعان ما تنتهي كما الحلم.

فالسعادة أوسع من هذه الثنائيات.

ولا أقصد بالسعادة هنا الاستجمام والسفر أو ما نسميه الترويح عن النفس، بل الأمر أوسع من ذلك بكثير، ذلك إن حياتنا تتعدى تلك اللحظات المزيفة.

أن سيرنا الحثيث نحو السعادة ينطلق من خلال الاشتهاء، وهذا الأخير ليس عمره أكبر من عمر فقاعة، ينقضي أجله فوره حين تنتهي شروطه؛ تعاقر الناس الخمرة فيشعرون بالسعادة ثم سرعان ما تنتهي هذه الحالة بعد الصحوة! يسافرون للترويح عن النفس وهم ممتلئون بالانطباعات الإيجابية، لكنّهم لا يحافظون على هذه الانطباعات حين يرجعون إلى ملاذاتهم السابقة.

فالقضية برمّتها لا تختلف عن الهروب بشيء؛ إنها آليات ماكرة للهروب من المعاناة.

إن الهروب من المعاناة هو هروب ارتكاسي ويضاعف الألم ويوسّع دائرة الجهل: الجهل بطبيعتنا الفطرية المغطاة بركام من الجهل والتصورات المزيفة.

ذلك أن كل تصور مزيف يحيل إلى طائفة من التصورات التي تتحول إلى مرجل للسموم النفسية.

وهذه المتوالية اللانهائية تتحول إلى قاعدة ثابتة من المعاناة تنطلق منها نظرتنا للواقع. 

وليست التصورات المسبقة قضية مذمومة بشرط ألا نجعل منها أحكاماً مطلقة.

كما إنها ليست دعوة لجلد الذات أو لومها، فالملامة ألم مضاعف، وإنما هي إشارة لفائدة المعاناة وقوتها في تطهير شوائبنا الذهنية فيما لو واجهناها بانتباه ورباطة جأش.

وبخلاف ذلك ستتحول هذه المواجهة إلى مزيد من الانتكاسات، خصوصاً إذا بقينا مصرين على أحكامنا المسبقة بوصفها الحق المطلق بمعزل عن طبيعة الواقع كما هو. 

أغرب وهم مررت به في حياتي هو الهروب من المعاناة، فقد وجدت الحال لا يخلو من تحايل على طبيعة الأمور، ولم أجد حكمة عميقة مثلما تهبها لنا المعاناة على طبق من ذهب بشرط ألا نذهب للمعاناة بدوافع سادية، بقدر ما نفهمها دون تحيز أو ميول مُصطَنَعَة. 

تطهرنا المعاناة كما يتطهر الثوب من أوساخه بعد الضغط والتشطيف المتواصل، وهذا هو قدرنا في هذه الحياة ألا نفصل بين حلوها ومرّها، لكي نخفف من عبأ الثنائيات وظلاله الثقيلة على أنفسنا.

ليس هذا فحسب، بل سيتحول الاثنان إلى مزرعة عظيمة نقطف منها ثمارنا القادمة بشيء من الصبر والتأني، ومن هذه التجربة العميقة تأتي تسمية «الحكمة».

فمرحبا بهذا الحلم المسمّى «حياة « بحلوها ومرها.