نحو دوليَّة جديدة

الصفحة الاخيرة 2023/02/25
...

العنوان ليس لي بل اقتبسته من كتاب أستاذ العلاقات الدولية ستيفن تشان، الموسوم: «نهاية اليقين: نحو دولية جديدة».

سجّل تشان في هذا الكتاب آراءً متميّزة منها، أن البربرية ليست ظاهرة من التأريخ، فما أكثر البربريات المعاصرة، وكلها تمّت بتقنيات الحضارة بشكلٍ وآخر؛ وأن الإرهاب في عالمنا اليوم لم يعد بدائياً ساذجاً، بل يمرّ عبر تدفقات من رأس المال العالمي، وشبكات الاتصالات الإلكترونية المتطوّرة، وقد يُطيح ببلدان كما هو شأنه الآن.

مأزق دولية الغرب اليوم أنها في مواجهة مع القوميات (العربية، التركية، الإيرانية، الروسية) وهي في توتّر بل صراع مع نزعات الصعود الآسيوية والأفريقية. الإسلام الأصولي على سبيل المثال، ليس نتاج الفقر والتخلّف كما تشيع الأكاديمية الغربية، بل هو تعبير عن الشعور بالقلق وغياب التوازن، والقوى الكبرى تبدو أمام نزوع القوميات أو الوطنيات الصاعدة، كأنها بيوت من ورق، سريعة التأثّر بالعواصف؛ وآية ذلك هو القانون الرائع أو شبه القانون الذي وضع ستيفن يده عليه، عندما لاحظ إن كلّ ما يحاربه الغرب ينمو ويكبر!

لا تكمن مشكلة الغرب في القوّة، بل في وهم الارتكاز إلى القوّة وحدها، وقبل ذلك في غياب تواضع المعرفة والمعايشة. يتساءل: لماذا يكسل العقل الغربي عن مطالعة مدوّنات الفكر الآخر، ليدرك أعماق مرامي ثقافته، وما يخطّط له؟ الفكر الأصولي مثلاً بسط بحسب الباحث تشان ثلاثة آلاف كتاب، ومع ذلك لا أحد في الغرب يطالع هذا الكمّ الهائل، ليستوعب مقاصده ومغازيه. والطبقة المتوسطة في إيران كمثال آخر، تعيش بئراً سرياً هائلاً من الفكر المعقّد كما يصفه، يحتاج إلى وسائل معقّدة لمعرفته واستيعابه. السبب من وراء ذلك هي العجرفة كما يسجّل تشان، لكنها ليست عجرفة النووي، بل الثقة الزائفة بالذات.

ثنائيات العالم المتناحرة تضع الإنسانية أمام خيارات، أسوأها الغرور الفكري لأمثال فوكوياما عن اكتمال التأريخ مع انتصار الليبرالية وانهيار الاتحاد السوفياتي، ولا تقل عنها سوءاً صِدامية هينتنغتون في صراع الحضارات، فيما العالم بحاجة لكي يتوازن ويستعيد استقراره، إلى تعايش الأمم وليس الأمة الغربية وحدها، وهو برأيه أمر ممكن من خلال تلاقي ثقافة المسلمين، مع الرحمانية الهندية وحكمة التاو الصينية، وغيرها من روافد الرحمة الغائبة.

الدولية الجديدة المنشودة، هي دعوة إلى إيجاد الاستقرار عبر توازن المصالح بين الحضارات والبلدان، والعالمية الوطنية، والثقافة والقوّة، والشرق والغرب، لكنها تصطدم بشراسة بذلك الإحساس الإدراكي المشبّع للإنسان الغربي، بأنّه آخر البشر في حلقةٍ أخيرة من تاريخ قد اكتمل!.