سنة أولى حرب

قضايا عربية ودولية 2023/02/25
...

بعد مرور سنة كاملة على بدء الحرب الروسيَّة الأوكرانية تتكشف كثير من خفاياها، ومن علاقاتها بالصراعات الكبرى، والسياسات التي أراد الجميع تحويلها إلى فرصة لتحقيق مصالحها، ولفرض هيمنات يدخل فيها السياسي والإيديولوجي والجغرافي، لكنَّ التداعيات المعقدة للحرب انعكست على الغرب وعلى روسيا، وعلى صناعة الأزمات التي باتت تهدد العالم، بدءاً من أزمة الطاقة والغذاء، وليس انتهاءً بأزمة التضخم الذي تحوّل إلى رعبٍ يواجه نظام الرفاهية في الغرب الرأسمالي، ويضع روسيا في لعبة استنزاف سياسي وعسكري من الصعب السيطرة عليها..

في الرابع والعشرين من شباط 2022 انطلقت الشرارة، ليدخل العالم في نوبة صاخبة من العسكرة، والاندفاع إلى حرب مفتوحة، وتحت يافطات حمائية، وقومية، وتوصيفات عسكرية تهدف إلى نزع السلاح من أوكرانيا كما يقول الخطاب الروسي، لكن دخول الغرب على جبهة الحرب، أوقف الحلم الروسي، حتى اتسعت الدائرة، ليكون الغرب الأوروبي نفسه مشاركاً في لعبة سوق السلاح، وفي فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على روسيا، بهدف تحجيم أهدافها، والعمل على منعها من تحقيق أيّ نصر 

في هذه الحرب..

حسابات الحرب، لم تكن بمستوى حسابات البيدر، فالدعم الغربي العسكري والسياسي للرئيس زيلينسكي ليس بريئاً، وليس بعيداً عن الحلم الأميركي بصياغة عقد سياسي جديد، أراده الأميركان فرصة لتشكيل ملامح عصر جديد، يُعيد إنتاج توصيفات فوكوياما عن نهاية التاريخ، ويجعل الجميع خاضعين إلى «اللوثيان» الرأسمالي، وفي إطار تكون فيه سياسات الطاقة والغذاء والجغرافيا والتجارة خاضعة إلى موجهات ذلك اللوثيان..

في الذكرى السنوية لهذه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لم تعد هناك خفايا، فالكل يبحث عن «أوهام النصر»، وعلى نحوٍ يجعل من هذا «النصر» الافتراضي مجالاً مفتوحاً على صناعة حروب أكثر بشاعة، وعلى تداخلات قد تمتد إلى حقول مجاورة، فإذا كان منع روسيا من المشاركات الرياضية في كأس العالم، وفي المسابقات الأخرى جزءاً من هذه الحرب، فإنَّ القابل من الأيام قد ينفتح على عقوبات تمتد إلى ما هو ثقافي وهوياتي، وهو ما قد يضع أوروبا أمام حروب أنثروبولوجية أكثر بشاعة، وأكثر خطورة في تداعياتها المستقبلية، على مستوى تضخّم ميزانيات العسكرة، وتقوّض أسواق الطاقة والتجارة العالمية، وصولاً إلى خلق أزمة كبرى بين الشرق والغرب، وهذا ما يجعل البعض أكثر توجساً من استمرار هذه الحرب، لاسيما في تعقيداتها التي تخص حرب المدن، وحرب البنى التحتية، وصولاً إلى التورط في حرب الأسلحة الثقيلة والدقيقة،

 وربما النووية.