د. عماد مكلف البدران
عندما شخص الدكتورعلي الوردي طبيعة المجتمع العراقي منذ عدة اعوام قد اصاب في بعض من تشخيصاته وربما اخطأ في بعضها الآخر.
إلا أن التجربة أثبتت صحة تحليلاته ونحن نشهد موجة فساد، يبدو أن انحسارها يحتاج إلى أعوام من العمل ليس في جسد الحكومة، فحسب بل في صفوف الشعب نفسه، الذي اعتنق عدد محدود منهم مقولات عجيبة غريبة حجب فيها الحاح الضمير، وهو يعتمد على ارث موروث من حاضنة عشائرية عاشت صراعات الارض والعوز، هناك في القرى النائية، فليس عيباً أن تكون في امتدادك واصلك ترجع إلى اصول من طبقة فلاحية أو عمالية أو ترجع إلى طبقة عانت الامرين من الانظمة الحاكمة، لكن عيب وخطيئة أن تعتمد مقولات شعبية أصبح لها وجود عرفي جاء من فهم بدوي بدائي نجده اليوم ينهب الدولة ويشجع على الفساد لا بل لا يريد مغادرة ما رشح من حواضنه البدائية، التي حاربت الدولة وفضلت الاستمرار،على الرغم من التطور الحضاري، في أن تعيش ببيئتها القبلية البدائية التي سادت فيها مقولة "الميحوف مو زلمه"، تلك التي سمحت لبعضهم ان ينهب ويسرق من جيرانه واقاربه وهو يُشرعن عمله هذا وينسبه إلى الرجولة والشجاعة، ومن هذا المنطلق، انطلق بعضهم لينهب الدولة اليوم والثروة العامة في امتداد واضح لتلك البيئة التي قادها عقل البداوة، وما زال الكثيرون الذين يعملون في الدولة من موظفين ومسؤولين يعتمدون مقولة بعض الاجداد "الميحوف مو زلمة".
ولم تقف المقولات الشعبية عند حدود محاكاة ما وصل لنا من تراث سيئ لأجداد سيئين، إلا أنها انتجت مقولة جديدة اعتمدها بعض من الاعضاء المنتمين إلى الاحزاب والكيانات السياسية المختلفة وموظفي الفساد، وهي مقولة (أكل ووصوص)، ويعنون بها انك عندما تجد الفساد مستشرياً، فخذ حصتك منه ولا تثر المشكلات وحاول الإفادة قدر الممكن من اموال الدولة وممتلكاتها وأكل كلما يطوله فمك الفاسد والتهمه ووصوص، أي أصدر صوت من شبع من الحرام واصدر صوت الكتاكيت وهي مستمتعة بالنهب، وقد انتشرت هذه المقولة لدى بعض العاملين في الدولة والعابثين بالمال العام وبعض المقاولين الذين يغشون ويتجنبون الخضوع لقوانين الدولة، وقد تم التسويق لهذه المقولة بعناية في كواليس جرائم الفساد وصفقاته، وهم يضحكون على القوانين ويحتالون وينحون كل المقولات التي تنمي ضمير الرفض لنهب المال العام، وهو اصرار واضح على تدمير الدولة لصالح مصالحهم الضيقة وهذا استخفاف بالشعب، هو دليل على مدى استنادهم إلى مقولات السلف الطالح وتأثير بيئات التنشئة على تصرفاتهم فأي قيم تمت تنحيتها لصالح اخرى اصبحت مبرر للنهب وتقليداً لتركات الحوافه، فهل يفهمون أن الدولة إن لم تسد يضيعوا هم وتراثهم
البالي؟.
إن اغلبنا يدرك جيداً ان ثقافتهم وفهمهم الضيق لا يستوعب مفهوم أن تسود الدولة القومية ويسود قانونها وان تحفظ ثروتها، فإن بقاء اي وطن يعتمد على ولاء اهله لكيانه لا لمصوغات حملتها عبارات تناقلتها ألسُن من عاش بيئات النهب والسلب.