مستنقع الشين

آراء 2023/02/27
...






  جهاد مجيد

لا جديد في قولنا: إن مؤسسات الدعاية والإعلام المرتبطة بالدوائر الامبريالية ذات إمكانيات مهولة، تتيح لها وضع خطط بشتى الأحجام والأشكال وصولا إلى أهدافها الظاهرة والخفية، المعلنة والمستترة، الحسنة والقبيحة، الناعمة والصارمة إلى ما شاءت من الأضداد التي تقربها من غاياتها في تصيير الأوساط التي تتوجه إليها مهيَأة للتكييف لتقبل أفكارها ومن ثم التحكم فيها حسب ما خططت له.

وقد تلجأ من أجل بلوغ ذلك إلى تدابير وإجراءات ووسائل أقل ما يمكن أن توصف به أنها دنيئة أو شريرة و لا أخلاقية – بالمعنى الحرفي للمفردة- وتخفي في ظواهرها وبواطنها ما هو تدميري لكيان الإنسان فرديا أو مجتمعيا، وسحق كل قيمة من قيمه التي تراها عائقا - مباشرا أو غير مباشر، راهنا أو مستقبلا – لبرامجها أو تحد من تصاعد وتائر نفاذها إلى أنشطة الإنسان المختلفة؛ الحياة العامة والخاصة، سلوكه، تاريخه، لغته، عاداته وتقاليده ومؤكد -أيضا – قناعاته 

ومعتقداته.

وبما سلف من توصيف وبهمة عالية جلية، تروج هذه الدوائر في هذه المرحلة للشذوذ الجنسي بادئة من تسويغه اصطلاحيا؛ تحبيبا وتقريبا وترغيبا، فتطلق عليه (المثلية)، نازعة عنه صفة الشذوذ ومبعدة إياه عن وضعه اللاطبيعي المَرَضي وتقديمه بابتكار تسمية جديدة كفعل طبيعي لا مَرَضي ! بل وتضفي عليه شرعية أكثر فتمنحه الاجتماعية بإطلاق مسمى (مجتمع الميم)

عليه!

وللأسف تتبع- بدراية أو من دونها- وسائل الإعلام الرافضة لهذا السلوك الشاذ، تعبيرا عن منطلقاتها المجسدة لمجتمعاتها المناهضة له، تتبع استخدام هذا (المسمى) المبطن وقبوله وتداوله كما أطلقته مناشئه مشبوهة الأغراض.

وغالبا ما يكون رفضها هشّا وكأنه يستجدي له المبررات من قبيل ذلك القول (بأن مجتمعاتنا محرومة من أبسط مظاهر الديمقراطية وتغيب عنها الحريات العامة...الخ) وكأن ثمة أسفا أو تبريرا لعدم لحاقنا بركبهم الراكس في مستنقع الشذوذ.

حري بنا ألا تمر علينا لغة الآخر المعبأة بالدسيسة، لتمرير غايات خسيسة ومواجهتها بتأكيد وعينا بما تضمر وهي الخطوة الأولى الصحيحة في هجومنا المقابل على أي هجوم يستهدف تدنيس كيان إنساننا وانتباهتنا الأولى هذه هي ترجمة لرد فعل هذا الإنسان.

إنها مسؤوليتنا التي ينبغي تأديتها بوعي نابه مدقق في الجزئيات والكليات؛ و مواجهة هذا الاصطلاح الملفق الشيطاني باصطلاح يكشف ما أريد ستره ويفضح حقيقته بوصف ينطبق تمام الانطباق عليه هو (مستنقع الشين).

لم تكتف الدوائر المروجة لـ(مستنقع الشين) بالتسمية التضليلية، فلجأت إلى برقعة هذا السلوك الشاذ بمسوغات مزعومة لاصقة إياها قسرا بمفاهيم تستند إلى الحاجات الحقيقية للإنسان على كل الصعد الخاصة والعامة؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فرديا ومجتمعيا وكونيا، فنسبته إلى (الحرية الشخصية) و(حقوق الإنسان)، هذا هو الخلط الماكر للحابل بالنابل! بل الخلط الشيطاني؛ هذه المصطلحات الجميلة التي يلهج بها الإعلام المعبر عن غايات وأهداف دوائر الاحتكار الغربي، غاضا البصر عن معاييره المزدوجة في تطبيقها، وهو أمر بات ذكره شائعا لحد الملل، فهم يطالبون الجميع بها إلا مالكي ذلك الاعلام الذين يخرقونها بلا هوادة.

يروجون لـ(مستنقع الشين) بكل الدهاء الذي عرفت به دوائرهم السرية والعلنية، فيستخدمون العبارات اللطيفة المحببة للنفس البشرية؛ فيلبسون الشذوذ حلة (الحب)، لتغدو مناوءته وقوفا ضد عاطفة إنسانية مشروعة! عن أي حب يتحدثون؟.. حب الشواذ؟! حب المنحرفين؟! المرضى نفسيا ووجدانيا، المارقين عن الطبيعة الإنسانية بل عن الطبيعة برمتها، الطبيعة الكونية التي انبنت قوانينها على وفق منطقها الذي لا انحراف  فيه.

كل النزعات الشاذة –جنسية أو غير جنسية-مرفوضة إنسانيا. 

فهل يدعو أحد إلى احترام أو قبول نزعة (حب تدمير البشر)، التي مارسها قادة عصابيون كهتلر أو موسليني وبينوشيت أو صدام حسين؟ هل نحترم حب هؤلاء إلى التسلط والهيمنة وإبادة البشر؟. 

يصم الإعلام في الدول المحتضنة للانحراف الجنسي سمعه، ويغمض بصره ومعه قادة تلك الدول وكبار مسؤوليها عن كل الحقائق الطبيعية ومنها العلمية القارة، ألم يكن شغل المؤسسات الصحية الدولية والإقليمية الشاغل طيلة العقود الماضية الحديث عن الآفة المرضية (الايدز)، التي يسببها الانحراف الجنسي؟ لماذا ضربوا بكل التحذيرات الصارمة عرض الحائط؟ ولماذا يلف الصمت الجهات الصحية ؟ هل سكتت أم أُسكتت؟ حتى هذا أمر غير مستبعد بالقياس إلى المحمومية القصوى لدى السلطات العليا في دول مستنقع الشين.

فثبت جهارا نهارا ضربهم كل القيم والأعراف، إيغالا في الدفاع عن المستنقع.

مثال حي وصارخ بطله سفير دولة كبرى في إحدى الدول الراكسة في مستنقع الشين أطلق تصريحا قوض به مزاعمهم المحتمعية ونزع عن مستنقعهم الحلة الأسرية الواهية بجملة واحدة: (الأسرة أب وأم وأبناء)، فثارت ثائرة وزراء ومستشارين كبار ودبلوماسيين من مستويات (رفيعة) وطالبوا بطرد السفير، واُعتبرت وزيرة الشباب فيها تصريحه اهانة للنضال الذي خاضوه، من اجل تحقيق حرية الركوس في قذارة المستنقع.

 ومروقا على الأعراف الدبلوماسية التي خرقوها بكل وقاحة وهم يستغلون مناسبة إقامة بطولة كأس العالم -مونديال 2022 - في بلد عربي إسلامي شرقي فانتهزوا كل الفرص لنشر نتانة مستنقع الشين، فاستبسل إعلاميوهم ووزراؤهم وسفراؤهم وتفننوا في تمرير شارات ورموز المستنقع، خارجين عن ابسط قواعد الأعراف الدولية التي تقضي باحترام قوانين وتقاليد الدول التي يقفون على أراضيها السيادية.

فبأي شيء تبرر الوزيرة البريطانية التي جلست في مقصورة كبار الشخصيات الرسمية وهي تتوشح بشارة المستنقع؟

أ تجهل أن الحماية الموفرة لها إنما لصفتها الدبلوماسية لا الشخصية؟

وهل من واجبات عملها الدبلوماسي التبشير بأفكار مستنقع الشين الأمر المجرم حسب قوانين البلد المضيف لها؟

وأن الدول تطبق قوانينها على الجرائم، التي تقع ضمن أراضيها السيادية بل حتى في أجوائها أو قبالة مياهها الإقليمية؟

استغلوا فرصة المونديال إلى أقصى الحدود وبصلافة مع أن (الفيفا) أعلن منعه الصارم لمثل هذه الممارسات.

كان هجوما سافرا لدعاة المستنقع ومستغليه لأغراض أبعد من صيغه الظاهرة للعيان، إلا أن حنكة وحكمة المضيفين كانت أكثر وعيا من الغايات المغرضة الهادفة إلى إحباط أي مكسب يؤكد قدراتنا- شرقيين أو عربا- للإسهام في الفعل الإنساني الخلاق.

يبرع دعاة المستنقع باختيار خطابهم بما يتناسب والحالات التي يعالجونها، فبدلا من هذه الهجمة الصلفة في محاولة تمرير أفكارهم يلجؤون في مناسبات اخرى إلى لغة مرنة والدعوة إلى الحوار الهادئ، وأن مسعاهم يتحدد بمجرد طرح الموضوع للنقاش. 

هذا ما اتسمت به لهجة صانعي الفيلم المغربي (القفطان الأزرق)، الذي يخوض في مسائل مستنقع الشين والذي لاقى ترويجا واحتضانا حتى وصل إلى القائمة القصيرة للترشيح لنيل جائزة الأوسكار.

لهجة مرنة ناعمة تكتفي بالدعوة إلى طرح الموضوع حسب، أي أن يكون من الموضوعات المقبول نقاشها فمخرجته تدرك أنها في بيئة رافضة تاريخيا وعقائديا، ولا بد لها من المرونة والنعومة والدغدغة المراوغة فبرقعت دوافع فيلمها بـ(الحب). 

وهي كلمة ما عاد بالإمكان قبولها لمجرد حلاوة لفظها.

فعن أي حب يتحدثون، وأي حب يقصدون؟!.