هل يتأثر النقد بالأسماء؟

ثقافة 2023/02/27
...

  علي لفتة سعيد


يعتقد الكثيرون أن النقد لا يكون صافياً تماماً حين يخوض في النص، ويقولون إن فيه من الاخوانيات والعاطفة والتقابل الكثير، بل قد تصل الأمور إلى الاتهام «بأن النقد مقابل المال». وهناك أيضاً من يدافع عن النقد ويرى أنه لا بد أن من يكون مسلحاً بالجرأة، كونه ليس نقداً من أجل تبرير الأخطاء، وأن الناقد الذي يجامل لا يستحق أن يكون ناقداً. والبعض الآخر يذهب إلى أن للنقد مسؤوليَّة أدبيَّة وثقافيَّة وأخلاقيَّة في ذات الوقت.. لكن السؤال الذي يطرح خارج معادلة أهمية النقد والمشتغلين فيه: هل يتأثر الناقد بالأسماء المعروفة؟، هل يقف متعاطفا أو منحازا لهذا الاسم أو ذاك كأن يكون له اسم معروف أو موقع ثقافي أو مسؤولية حتى لو كانت ثقافية ومن ثمَّ فإن الموقف الذي يعد النقد من أجل النقد يتراجع أمام هكذا حالة؟.

اتهام النقاد

الشاعر العراقي جبّار الكوّاز يقول إنَّ «النقد بوصفه إبداعًا متماهيًا مع النص وكشفًا لأغواره وتضادّاته يغور في البنية الكبرى لأي نصّ لتحليله وفقا للمدارس النقدية الأدبية».

ويضيف أن «النقد في العراق متّهم برمته، لأن النقاد العراقيين وهم ممّا لا نستطيع أن نضع حدّا معياريًا لهم، لأنهم مشرقون ومغربون يضربون كلّ جهةٍ معتمدين على مقالات مستلّة أو اصطلاحات مبتكرة تائهة في أتون اللغة بلا توصيل ولا تنتمي لأي اتجاهٍ نقدي أو جمالي متوزّعون بين مؤيّد لمبدع ينتمي لاتجاههم الفكري أو حياتهم الشليلية أو النفعية، أو القدوة الوظيفية التاريخية المؤلّهة التي ينال بركتها البعض لأسبابٍ عديدة عراقيا». 

ويبين أنه لطالما انقاد كثيرون من الأكاديميين في أتون توزّعهم هذا مما أفقد الجامعات جدوى واجباتها الكبيرة في الحياة الثقافية والفكرية وهو يتوزّع بين ثلاثة اتجاهات معروفة للجميع.

ويوضح الكوّاز هذه الاتجاهات.. أولها: اتجاه النقد الوظيفي القائم على أولوية الأفكار التي يؤمن بها الناقد والشاعر فينحاز له لا بوصف نصّه نصًا إبداعيًا بل بيان حزبيّ سياسي يوظّف لتوصيل أفكارهم الخاصة الى الآخرين، ولهذا نجد أن نقادًا (كبارا) كما يطلق عليهم في العراق أعلوا من شأن شعراء ووضعوهم في قمة الهرم الإبداعي من دون استحقاق جمالي أو إبداعي يؤهلهم لتلك المنزلة الكبرى وهم من لا أثر لهم سوى الانتشار عند ثلّة من روّاد ذلك الفكر السياسي أو غيره. 

ويتحدث الكوّاز عن الاتجاه الثاني ويقول إنّه «الاتجاه التاريخي فما قاله الشعراء الأقدمون هو صورة الإعجاز الكبير الخالد مدى الدهر فهم لا يكلّفون أنفسهم التنقيب أو نقد النصوص الحديثة وعلى عداء معلن ودائم ضد الإبداع الحديث شعرًا أو سردًا ونقّاده ممن يسير على وفق شيوع اسم أديبٍ ما ليس بسبب جماليَّة إبداعه، وإنما وفقًا لتشكّله إعلاميًّا من قبل إعلام موظّف لتحقيق الانتشار المزيّف جماليًا وإبداعيًا».. فيما يقول إن «الاتجاه الثالث هو الإبداع الاسترزاقي ويعتمد على دفع مبلغ ماليّ يتّفق عليه لكتابة مقالةٍ نقدية عن شاعر ما، فيرفعون من شأنه إبداعيا وهو خالٍ من أيّما إبداع وفق صيغ متكرّرة وآراء إرضائية تطبّق على كلّ نصّ يدفع صاحبه لهم ما اتفق عليه من مال أو وليمة أو جائزة أو منصب ثقافي». 

ويؤكد أن «هذه الاتجاهات الثلاثة هي محنة النقد العراقي التائه بين مدارس نقديّة قديمة وحديثة أو علاقات إعلاميّة زائفة أو ضجّة مفتعلة تتصنّع وهجًا لشاعر نفدت رؤاه الإبداعيّة بحيث أصبح المشهد النقدي مضرب مثلٍ في التردّي والتخلّف أسوة بكل مظاهر الحياة الثقافية العراقية».


نقد الاخوانيات

الأديب أحمد علي هلال رئيس جمعية الدراسات والبحوث والنقد للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين– سورية، يقول على الأرجح إنّ النقد في ممارسته وفي وظيفته هو خط أفق المعرفة والاكتشاف، وكم التبست في سياقات تلك الممارسات على تفاوتها علاقة النقد بالنصّ الإبداعي، وقادت إلى سوء فهمٍ عميقٍ انعكس ذلك سلباً على وظيفة النقد كما وظيفة الناقد الأدبي، بفعل ممارسات يمكن توصيفها بأنّها لا تنتمي إلى الحدّ الأدنى من فهم النقد وآلياته واشتغالاته وتوظيف واستثمار مناهجه ومدارسه ونظرياته، إلى الحد الذي جعل اعتقاداً سائداً يسود لدى الأكثريَّة وهذا الاعتقاد ينطوي على تبسيط مخلّ لتلك الوظيفة الأثيرة.

ويوضح أنّ «النقد إما مديح أو هجاء، وهذا يفارق ماهية النقد المعرفية صاحبة العلاقة العضوية بالنصّ، وليس بمعنى التبعية بل بمعنى التكامل من أجل الارتقاء بالإبداع بكلِّ أجناسه وفنونه». 

ويضيف أنّ «معضلة النصّ الصافي باتت مركّبة وشديدة الحساسيَّة، وهذا ما سينعكس على أداء الناقد الذي ينبغي له أن يستبطن مرجعياته المعرفية والثقافية من أجل العلاقة مع النص المنقود، ذهاباً إلى كشف علاقة النصّ بصاحبه، وتحرير المعنى في تلك الوظيفة الخلاقة التي ينبغي أن يكون النقد عليها». 

ويذكر أنّه جهر ذات يوم العلامة والموسوعة اللبناني عبد الله العلايلي، بالقول: من ينقد عليك كمن يؤلّف معك، فالتأليف بهذا المعنى أبعد من مسألة ردم الفجوات إلى ما يجعل من الناقد شريكاً في النصّ الإبداعي وباعثاً لكوامنه وناظراً فيه، أيّ بمعنى الرؤيا سعة واتّساعاً. 

ويستدرك بالقول إنّه على الرغم مما اعتور الكثير من ممارسات ما اصطلح عليه بالإخوانيات وأكثر من ذلك لن يمت إلى النقد بصلة، بل هو بمثابة الترويج للنصّ واستهلاكه وتسطيحه أيضاً، وهذا ما سينسحب على من يضعون النقد مقابل المال، أو بصيغة أخرى لمن ينظرون للشخص وليس للنصّ، وهذه بذاتها من أشد المعضلات الثقافية ضراوة وإشكالية، مازالت تتواتر في شتى الممارسات النقدية سواء ما تعلق منها بحفلات توقيع الكتب أو ببعض المتابعات الصحفيَّة الخجولة والفقيرة الاختصاص على أهميتها. 

ويشير هلال إلى أنّه بوسعنا القول وبمزيد من الاطمئنان النقدي، إن النقد بوصفه فعالية معرفية وأخلاقية، كما وظيفة الناقد أن يكون موضوعياً، أي يتجرّد إجرائياً من معرفته بالشخص لينظر للنص فحسب، ليقرؤه في دلالاته ومحيطه النصِّي وشبكة علاقاته وعلاقته بزمنه وقيمه الجمالية والفكرية واللغوية، من دون أن يذهب بالضرورة إلى مجاملة تطيح بخطابه المعرفي، ومن دون أن يقع تحت ثقل الأسماء المعروفة وإيحاءاتها في الذاكرة الثقافية، فما يبقى هو النصّ وليس الاسم. 

ويرجح هلال الاسم المرموق من أنه قد يمارس إيحاءً بمعنى ما، لكن على الناقد الموضوعي أن يميّز بين الاسم والتجربة، ليقف على قيمها المتجدّدة وانفتاحها وتميّزها، أكثر مما يجتر تاريخها.. ويؤكد لا معنى هنا للتعاطف أو الانحياز سوى للنصّ فحسب، كي لا يتراجع النقد بوظائفه المعرفية والرافعة للثقافة والفكر والإبداع، فثمة إشكاليات كثيرة في هذا الصدد ينبغي التحرّي عنها لكي نذهب إلى ممارسة نقدية إنتاجية ترتقي بأدواتنا وتتّكئ على المنهج والرؤيا أكثر مما تتّكئ على لزوم مالا يلزم، تلك هي حضارة النقد المديدة والتي تأثرت بعصر الصورة واختلاط المعايير التي لا بدَّ من ضبطها كي تنجو الثقافة.


النقد والمجاملة

الأديب العراقي محمد حياوي يعبر عن وجهة نظره من أن أصدق النقد هو ذاك الذي يكتبه أناس (سواء كانوا نقادًا أو قرّاء) لا يعرفون الكاتب بصفته الشخصية، فلا يتأثّرون به، بل بنصّه المجرّد، وما يبعثه في نفوسهم من اختلاجات وتحريضات على الكتابة.

ويشير إلى أن المجاملات موجودة في الوسط الأدبي، لكنها مجاملات أصبحت ساذجة ومكشوفة، بسبب كثرة الإصدارات واختلاطها وتفاوت مستوياتها. 

ويتحدث حياوي على الصعيد الشخصي، فيقول «لقد أدهشني نقّاد لم ألتقِ بهم من قبل، سواء في العراق أو العالم العربي، كتبوا بصدق عن بعض أعمالي، ولم يكلّفوا أنفسهم عناء إخباري أو إرسال رابط المقالات لي، ولم اكتشف مقالاتهم إلّا عن طريق الصدفة وأنا أبحث في الإنترنت، والأمر ينطبق على اللغات الأخرى أيضًا، مثل هؤلاء لا يمكن أن يعرفوا المجاملة، ونيّتهم خالصة للأدب وحسب.  

ويضع حياوي سؤالا: هل نعدم المحاباة والتزلف؟

ويجيب بالتأكيد، خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بالمصالح والتعويضات المالية (المكافآت). 

فقد دفعت الحاجة، زمن النظام السابق على سبيل المثال، بالعشرات من النقاد وغيرهم، إلى تدبيج المقالات وتأليف الكتب النقدية عن المثقّفين المسؤولين آنذاك، ويبدو لي أن تلك الحاجة نفسها ما زالت تدفع بالكثيرين لارتكاب الفعلة نفسها، وهي عادة ليست ذميمة بالكامل، بل تكاد تكون حاجة إنسانية نوعًا ما، وعلى المثقف أو الأديب المسؤول في هذه الحالة، أن يترفّع عن تلك التفاصيل، ويعتذر عن نشر تلك المقالات التي تتناول تجربته الأدبية في المطبوعة أو الموقع الذي يديره أو يحرّره أو يكون مسؤولًا عنه. 

ولعل الأمر لا يقتصر على المجاملة النقدية، متمثّلة بمقالةٍ هنا أو عرض كتابٍ هناك وحسب، بل صار يتجاوزه إلى الدراسات العليا التي باتت تتناول تجارب أدبية ضعيفة أو في أحسن الأحوال غير مكتملة النضج، من باب المحاباة والمجاملة أما للكتاب أو للأستاذ المشرف على مثل تلك الدراسات، ويرى أنّها في جميع الأحوال لا تسمن ولا تغني من جوع في الواقع، فبالنظر لغياب المصداقية والنزاهة النقدية، لم يعد القرّاء، عندنا في العالم العربي، يثقون بما يكتب عن الكتب، وصاروا يحتكمون إلى ذائقتهم الخاصة، فضلاً عن معايير أخرى جديدة، كالترويج في مواقع التواصل الاجتماعي وكثرة الحديث عن كتاب ما في المجموعات (الجروبات) الخاصّة بمحبي الكتب، وتفحص دار النشر وقياس مدى أهميتها ومصداقيتها، وغيرها من مقاييس مستحدثة.


خباثة المجاملة

الشاعر العراقي علي الحمداني يرى أن إشكالية التعامل مع النقد الأدبي معقّدة وذات اتجاهاتٍ لا تحصى ورؤوس شائكة ليس من السهل تشذيبها والتوصل إلى أرضية سهلة تتناغم عليها فكرة ترويض أطراف المباراة الأدبية ليخوضوا معا لعبةً ماهرةً ومتّفق على أصولها ليقوم كل لاعبٍ في هذه المباراة بدوره على أتمّ وجه لتحقّق المباراة نتائجها المتوخّاة في تفعيل الفن الأدبي والوصول الى أهداف النصوص الأدبية.

ويعتقد أن الناقد الأدبي قارئ متطوّر يحمل أدوات وخلفية فكرية تؤهله لإرشادنا الى الطرق الأصح لانتاج النص الأدبي، وكذلك لقراءة النص وفهمه ووضعه في محله الطبيعي بين النصوص الأدبية الأخرى، وبرغم هذه المهمة الجليلة التي يتصدى لها الناقد لكنه يبقى قارئا ومن أهم مميزات القارئ ان يكون محايدا يتعامل مع النص الذي بين يديه ويُخضِعه إلى المقاييس الشكلية والموضوعية مبتعدا عن مؤثرات شخصية مبدع النص على الناقد ذاته أو على الجمهور أو تأثيره في البقعة الزمنية والمكانية والاجتماعية، وأن يتجاهل أية هالة تحيط بذلك المبدع ايجابية كانت أم سلبية كي لا يقع الناقد ذاته في فخ الانجراف العاطفي الذي يشل قدرته على الحفر الحقيقي في النص، بل يصيبه بالعمى النقدي المؤقت الذي يحجب عنه حقائق القيمة الكامنة في النص ويلجأ إلى اختلاق قيم مضافة لا يستحقها النصّ أو يقتصّ من قيمته اللائقة به كنصّ ناضج. 

ويرى الحمداني أنّ كلتا الحالتين فيهما غبن كبير للاعبي مباراة الأدب الأساسيين وهم المبدع والنص والناقد والمتلقّي والزمان والمكان والغاية والمعنى.. ويشير إلى أن النقد الأدبي موهبةُ لا تقل شأنًا عن صنوف الأدب الأخرى، بل هي تتفوّق عليها حتما فأنا أرى أن النقد الأدبي هو الفلسفة التي تُمَحوِر الحركة الأدبية عموما، وإن المجاملة في النقد الأدبي ليست إلّا (سفسطة خبيثة) لا قيمة لها تتهالك وتنكشف أخطاؤها وبواعثها في كيمياء الاختبار القرائي كما تتساقط وتفشل أوراق الخريف مرتعشةً في قبضة رياح تشرين.


العلاقة الشائكة

القاصَّة والناقدة الأدبيَّة المصريَّة عزة أبو العز ترى أن السؤال شائك، وهي تقول: لا أظنني قادرة على نفيه أو إثباته بشكلٍ قاطع؛ وذلك يرجع لعدّة عوامل متشابكة تؤثّر بشكلٍ أو بآخرٍ في التقييم الموضوعي لعملية النقد وشكل العلاقة بين النقد والإبداع. 

وتعتقد أنّها في حيرة من أمر السؤال لأن هناك ما يتردّد على ألسنة البعض بأن النقد لا يكون صافيًا تمامًا حين يخوض في النص، وأن النقد فيه إخوانيات، والبعض يتّهم بعض النقاد بالنقد مقابل المال، وهناك رأي يدافع عن النقد ويتعامل معه بصورةٍ يجب أن تكون الأقرب للمثالية؛ بمعني لا بدَّ من أن يكون النقد منزهًا عن المجاملات وتبرير الأخطاء. 

وتقول: يتوجب عليها الخروج من دائرة الثنائيات الخبيثة المتمثلة في الثنائية الشهيرة (مع أو ضد) والبحث عن الرؤية العامة لأصل الموضوع، وقناعة الناقد في التعامل مع النقد؛ بمعنى قد يكون كلّ ما سبق يحتمل الإثبات وأيضا قد يحتمل النفي.

وترى أن الفيصل هو حكم الناقد نفسه وطريقة تعامله مع النص الإبداعي.

وتعبر عن قناعتها الشخصية كونها أديبة مصرية تكتب القصة القصيرة وتمارس النقد الأدبي. 

وتشير إلى أن الأمر يرتكز على أسس ومنهج وقناعة شخصية تجاه دور النقد ومفهومي له وأسس اختياري للعمل الأدبي، ولذا ترى انها لم تتعامل مع العملية النقدية بناءً على اسم الكاتب وحجم بريقه، بالعكس على المستوى الشخصي أجد متعة كبيرة في سبر أغوار النصّ الإبداعي بعيدا عن بريق اسم المبدع وربما تتولد لديَّ ألفة ما فيما بعد بين إبداع المبدع والتعرّف على شخصيته الأدبية وتطوره الإبداعي، لكنها تستدرك وتقول لا أنكر على ناقد ما تأثّره بأسماء الكبار وإن صحّ التعبير بالأسماء التي تحمل بريقًا ما في عالم الكتابه، ولكنني لا أميل للاعتماد على ذلك فقط، بل لا بدَّ من وضوح رؤيتي الخاصة التي تحكم اختياراتي، وهذه الرؤية تستند إلى عمق إيماني بأن النقد لديه مسؤولية (أدبية، ثقافية، أخلاقية) مجتمعة، وأن اجتماع هذا الثالوث المقدس قادر على تحديد ما أريده من العمل الإبداعي فضلا عن الخروج بي من ضيق مساحات الثنائية الخبيثة المتمثلة في كلمتي (مع أو ضد) إلى رحابة الفكر تجاه المسؤولية النقدية. 

وتضيف أن: الجميع يعلم بوجود فجوة ما بين الكثرة اللافتة في حجم ما ينتج من إبداع ومواكبة العملية النقدية لهذا المنتج الضخم، لذلك مستقر في قناعتي أنه مثلما توجد أعمال إبداعيّة تحمل في طياتها معاني (الرسالة، القيمة، والسمات الإبداعية اللافتة) يوجد أيضا النقد الباحث عن هذه المعاني؛ وفي هذه الحالة سيبحث الناقد عن مبتغاه من حيث الشكل ومضمون الرسالة بغض النظر عن اسم الكاتب أو حتى جنسيته.

وترى أيضا أن الناقد هنا يرتكز على منظورٍ مختلفٍ وأعمّ وأشمل في أساسيات الاختيار، وإذا احتكم الناقد لمعايير محدّدة في اختيار النصّ الأدبي يقينًا سوف يصبح خير ناقلٍ وشارحٍ للنصّ بعيدًا عن بريق الأسماء اللامعة. 

وتشير أبو العز الى وجود نقطةً جوهريَّة وهي قوّة التجاذب بين نصوص مبدعٍ ما وناقده، هذه القوة إن وجدت تنتج حالة من الهارموني المشوّق القادر على العبور بالنصّ الإبداعي من مستوىً معيّنٍ للتلقّي لمستويات أعلى بالغة الدهشة، قد تدهش المبدع نفسه قبل المتلقّي، وهذه الحالة بحسب قولها تساعد على تكرار التجربة النقدية بين الاسمين نتيجة وجود عوامل مشتركة إيجابية بين المبدع والناقد. 

وتتابع: أنها لا أستطيع توصيف هذه الحالة بالمجاملة، بل هي حالة أشبه بالتكامل بين نصّ قوي محمّل بالكثير من الشارات والدلالات التي قد تحتاج لناقدٍ قادرٍ على فكّ شفرات النص الإبداعي، وهنا تتم القراءة التي تضيف للنص الكثير من قبل الناقد بعيدا عن المجاملة الشخصية ليسهم في الارتقاء بالنص لمناطق ومساحات قد يعجز عن تحليلها كثير من غيره من النقاد. 

وترى بطريقة كما تقول غير ملزمة، ستظل علاقة الناقد بالنص علاقة شائكة وسيظل من يلقي بظلال آرائه ومعتقداته سلبًا وإيجابًا على قضية علاقة الناقد والأسماء ولكن المؤكد لديَّ أن الناقد هو الباحث دائمًا وأبدًا عن النص الذي يريد وليس الاسم الذي يزيد من بريقه على الساحة الأدبية بكلّ علاقاتها المتشابكة لحدّ ما.