العمى الأبيض.. وباء الغرائز

ثقافة 2023/03/01
...

  بغداد: مآب عامر


تثير هذه الرواية مشاعر الاشمئزاز بطريقة تصدم القارئ من دقة رسم تفاصيل الواقع الغرائزي والحيواني للبشر، على الرغم من محاولة بعض الشخوص التمسك بإنسانيته، حيث تبدأ الغرائز البشعة بالظهور للبشر عن طريق وباء "العمى الأبيض" الذي اختاره المؤلف لدعك شخوص الرواية في مجريات الأحداث. 

تشير الرواية إلى واقع أننا جميعاً مصابون بالعمى أو أننا اخترنا بإرادتنا أن نكون عمياناً عما يجري حولنا، حتى المبصر، فهو من دون جدوى يختار العيش مثل الأعمى كحال زوجة الطبيب أحد شخوص الرواية، من هنا ربما للكف عن الشر وابتعاد أي جهد من ممكن أن يبذل نتيجة امتلاكه للبصر.. فالنظر في مجريات الرواية هو "حاسة ظهرت وكأنّها ما يميّز 

الإنسانيّة". 

ومن المثير للاهتمام أن عملية إدارة الشخصيات والحوارات في أحداث الرواية تكون متداخلة ومربكة.. فالمؤلف هنا، هو لا يستعين بأسماء لشخصياته أو أمكنة أو مدن محددة، بل إنه لا يستخدم حتى علامات التعجب أو الاستفهام أو الفارزات المنقوطة وغير ذلك إلّا ما ندر، أما الحوارات التي بين الشخصيات المختارة في الرواية فقد كانت متلاحقة ومتصلة ببعضها والبعض، بل لا يتم فصل كلام الأول عن كلام الثاني، وهذا ما ذكره علي عبد الأمير صالح في مقدمة المترجم للرواية، الأمر الذي شكل صعوبة في التفريق بالنسبة 

للمترجم.  

تبدأ الرواية عند تحشد الجموع حول سيارة تقطع تدفق إشارة المرور، بينما ينادي الجالس خلف المقود - أنا أعمى أنا أعمى- وهي الصرخة التي أخذت بالانتشار صعوداً مع أحداث الرواية، بينما وباء "العمى الأبيض" ينتقل من شخص إلى آخر، حتى عمّت الفوضى والهمجيّة الممنهجة ببشاعة التعامل مع الموبوئين من قبل الجنود، فضلاً عن تشكيل العصابات وسيطرتها على الطعام.. الأمر الذي يلزم السؤال الذي من الممكن أن يخطر ببال القارئ: ماذا قد يحصل إذ وقع مقدار من القوة بيد أعمى؟.

يعد "جوزيه ساراماغو" الحامل لرسالة الإنسانيّة عبر سطور صفحات روايته هذه، من أعظم الكتاب البرتغاليين، وهو أيضاً البرتغالي الأول والوحيد الحاصل على جائزة نوبل للأدب عام 1998، وحصل كذلك على جائزة "كامويس" وهي أرفع جائزة أدبية في البرتغال. 

وقال "جميس وود" في حديثه عن "ساراماغو" بأنه يتمتع "بلهجة فريدة في أعماله، إذ إنّه يروي رواياته كما لو أنه شخص حكيم وجاهل في الوقت نفسه".

وقد ولد "ساراماغو" عام 1922 في ازينهاغا الواقعة في إقليم "سانتاريم" في البرتغال، وتوفي في العام 2010 عن عمر يناهز 87 عاماً. 

وهو روائي وشاعر وكاتب، ترجمت رواياته إلى خمسة وعشرين لغة، منها اللغة العربيَّة. 

وفي مقطع من الرواية، يقول أحد شخوصها: "كنا غير قادرين على العيش ككائنات بشريَّة، فدعونا على الأقل نفعل كل ما بوسعنا كي لا نعيش كالحيوانات.

إن أنت أردت أن تعمى فسوف تعمى.

إنَّ الصعوبة لا تكمن في معايشة الناس، إنّما في فهمهم".

جاء الكتاب الصادرة عن منشورات الجمل تأليف جوزيه ساراماغو، ترجمة وتقديم علي عبد الأمير صالح، في 413 صفحات من القطع المتوسط.