ثقافة الحوار الموسيقي

ثقافة 2023/03/01
...

 محمد العطار*

لا تشرق شمسُ الثقافة إلا من خلال الإعلام، فثقافة بلا إعلام هي ثقافة الكهوف المظلمة والقلاع المنسية في أدغال الغابات وفي متاهات البيداء. كما لا يكتسب الإعلام قيمته كصانع وعي نوعيّ، إلا من خلال متضمناته الثقافية المباشرة وغير المباشرة. وبهذا يتضح أن للثقافة بكل فروعها، وعلى اختلاف تجلياتها علاقة جدلية/ تفاعلية واسعة النطاق مع الإعلام. منذ سنة 2019 وأنا أعتذر عن ظهوري في البرامج التلفزيونية العراقية لأسباب كثيرة ليس من باب التكبر أو الغرور.

لكننا للأسف وبكل صراحة مُطلقة أصبحنا نشاهد نوعية ومادة البرامج التلفزيونية الحالية أصبحت تجارة من أجل صعود الترند.

عكس ما كُنا نأمل أن تعكس صورة الفن العراقي الأصيل الذي يمتد لآلاف السنوات، إضافة إلى ذلك افتقار الإعلام العراقي للثقافة الحوارية التي تتطلب المامه بجميع المجالات وخصوصاً مجال الموسيقى، فنجد أن أغلب أسئلة المقدمين الروتينية عند استضافتهم للفنان 

هي: 

كيف بدأت؟ بمن تأثرت؟ ماذا تطمح؟. للأسف نلاحظ عدم وجود ثقافة الفنون لديهم، بل أصبحوا عالقين في سلسلة التقليد فعلى سبيل المثال، كنت أتمنى أن نجد برنامجاً مهماً عراقياً يتكلم عن تأثير الفنون عند البشر، ومفهوم تأثير الموسيقى على المستوى النفسي والاجتماعي. 

كما أننا لم نجد يوماً إعلامياً يناقش فناناً عن ثقافات الموسيقى في البلدان العربية والعالمية والمقامات والمقطوعات المهمة بالإضافة إلى المدارس الموسيقية والقوة الناعمة والشخصيات التي أسهمت في خدمة المجتمع في جميع المجالات الفنية، وكيفية تطوير جيل موسيقي وتغيير المسار الحقيقي للشباب من خلال التركيز على برامج تلفزيونية مهمة ودورات وندوات تثقيفية وعدد كبير من الطرق التي تسهم في نهضة الموسيقى وعمل نقلة نوعية لتغيير الأذن الموسيقية لشبابنا في هذا الوقت، التي للأسف تَشبعت بألحان مُزرية وكلمات خادشة.

وبالطبع يجب على الجهات المعنية في هذه المجالات أن يكون لها دور حقيقي وفعال.

كذلك لم نجد من يفتح باب النقاش لكيفية تغيير الواقع الموسيقي الصعب في البلد وفتح باب الحوار أكثر فأكثر لتجلي فكرة عميقة قد تؤثر تأثيراً إيجابياً جداً بكل من شاهد الحوار. 

نحن وصلنا إلى جيل يجهل بتهوفن، موزارت، يوهان سباستيان باخ، جوزيف هايدن، شوبان، أنطونيو ڤيفالدي،  كوكب الشرق، عبد الوهاب، العندليب، فريد الأطرش،   أسمهان، وردة الجزائرية، بليغ حمدي، السنباطي، ميادة الحناوي، عثمان الموصلي، صالح الكويتي، رضا علي، طالب القره غولي، محسن فرحان، محمد القبانجي، ناظم الغزالي،  يوسف عمر، جميل بشير،  منير بشير، عوض دوخي، طلال مداح، عبد الكريم عبد القادر، صباح فخري، وديع الصافي،  وغيرهم من القامات الموسيقية الكبيرة.

كل هذا يقع على عاتق كل فنان وإنسان لديه حس فني وإبداعي أن يسهم في نشره في كل مكان.

وعتبنا الشديد أيضاً على مُعدي البرامج الذين تمحورت أسئلتهم على أسلوب روتيني نمطي لا يتجدد، وعدم توجيه مقدم البرنامج للأسئلة الحوارية غير التقليدية التي تجبره على توسيع ثقافته لتتلاءم مع نوعية البرنامج والموضوع.

هل يا ترى رأينا في هذا الوقت برامج تهذب الذائفة الفنية لدى الفرد وتعزز ثقافته؟.

صدقاً نحنُ بحاجة إلى نهضة فنية وثقافية بجميع الأصعدة وخصوصاً على الصعيد الموسيقي.

لذا من الأهمية رصد النواقص الثقافية، من قبل جميع المعنيين بها، وعلينا الشروع بوضع الحلول اللازمة والصحيحة، في مبادرات متواصلة وتوصيات ومقترحات، تضع أمام صانع القرار خطوات فعالة وسهلة التنفيذ لصنع الآفاق الثقافية القادرة على ملء الفراغ الثقافي في المجتمع وخصوصاً للإعلامي العراقي، الذي يمثل بلد الثقافة والحضارة والموسيقى والفن والجمال.

لذلك أرجو التفهم لسبب الرفض، لكوني أُقدر الفن أكثر من كل شيء في الحياة، ويجب أن تكون للفن مكانة وقيمة حقيقية للفنان الحقيقي في كل مكان وعصر وزمان .


* مؤلف موسيقي

ومدير بيت العود في بغداد