هزّات سياسيَّة ارتداديَّة

آراء 2023/03/01
...

  ميادة سفر


تشكل الكوارث فرصة للدول لإعادة هيكلة مواقفها من خلال ما يعرف بدبلوماسية الكوارث أو الدبلوماسية الإنسانية، التي تبني على تقديم المساعدات الإنسانية للبلدان المنكوبة، لتصحح من خلالها علاقاتها السياسية والدبلوماسية التي كانت مقطوعة أو متشنجة بفعل خلافات سياسية، وتعميق تلك العلاقات وتطويرها، ووصل ما انقطع لسنوات.

لم تقتصر عواقب الزلزال الذي ضرب سوريا مؤخراً على ما خلفه من ضحايا ودمار وهزات ارتدادية سببت هلعاً متواصلاً للسكان، بل أحدث بالمقابل هزات ارتدادية على المستوى السياسي والدولي، تمثل في مواقف بعض الدول، التي سارعت إلى التواصل مع دمشق بعد سنوات من الجفاء، وتقديم المساعدات للمنكوبين، فيما عززت أخرى علاقتها من سورية وكان لافتاً التعاطي العراقي والجزائري والإماراتي الذين لم يتوانوا عن تقديم كل ما يلزم للسوريين، دون أن ينتظروا موافقة من أحد، كما كان فرصة للتواصل وإن اقتصرت على المنظمات الإنسانية والمساعدات من دول أخرى ما زالت دبلوماسيتها السياسية مقطوعة بسبب قرارات دولية.

في ضفة أخرى، لم تتمكن بعض الدول من تجاوز مواقفها السياسية والعمل بمبادئ الإنسانية والتحضر التي لطالما تغنت بها، وهي تشاهد آثار الزلزال المدمرة مكملاً ما بدأته الحرب الطويلة التي شاركت فيها أغلب دول العالم لاسيما العظمى منها، والتي كثيراً ما افتعلت الحروب بحجة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وكانت أبعد ما تكون عنها، ما زالت بعض الدول تنتظر موافقة الولايات المتحدة الأميركية للمبادرة بمد يد المساعدة لدولة أخرى، وكأن الإنسانية تحولت إلى تهمة تخشى من الملاحقة بسببها، رغم أنّ أغلب تلك الدول أعضاء من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولكن أيّ حقوق؟.

كانت العقوبات الاقتصادية وقانون قيصر شماعة علقّ عليها آخرون امتناعهم عن تقديم المساعدات للسوريين، على الرغم من التصريحات التي صدرت من مسؤولين أمميين تؤكد أن العقوبات لا تحول دون تقديم المساعدات الإنسانية، ولكن "كنت أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي"، لا حياة ولا حياء أمام مشاهد الدمار الذي تم بفعل الطبيعة، في حين كانت الطرق إلى سوريا سالكة لتدفق الإرهابيين والسلاح خلال سنوات الحرب من تلك الدول التي أبت إلا أن تثبت عبوديتها وتبعيتها، وتحتج بحجج واهية لامتناعها أقله عن تقديم العزاء بالضحايا أو التعاطف المجرد.

إنّ الكوارث الطبيعية وهي البعيدة عن كل ما ينشأ بسبب السياسة والسياسيين من أزمات وخلافات، فإنها تغدو عاملاً محفزاً لتحسين العلاقات الدولية، وفرصة للتقارب بين الدول والعمل على إعادة فتح باب التواصل والعلاقات فيما بينها، على اعتبار الإنسانية وحق الإنسان بالعيش بأمان وسلام في وطنه.

والحال هذا، فإنّ لسان حال السوريين اليوم بأن تكون دماء ضحايا الزلزال الذي ضرب بلدهم قرباناً على طريق القيامة، والخروج من القاع الذي هم فيه، عبر تحسين العلاقات مع الدول العربية وغير العربية، وهم يتابعون وصول عشرات الطائرات المحملة بمواد الإغاثة إلى بلدهم الذي لم تشهد مطاراته تلك الحركة منذ بداية الحرب فيه وعليه، لسان حالهم يقول "ربّ ضارة نافعة" وهم يضعون ملحاً على جراحهم التي طال نزيفها، آملين أن تحدث هزات سياسية تعيد التوازن لعلاقات بلدهم مع عالم ما زال ينظر إليهم كأرقام ضحايا ومشردين ومهجرين ومهاجرين.