الخزَّاف سعد العاني.. خيالٌ مؤطرٌ بمنطقٍ هندسيٍّ

ثقافة 2023/03/01
...

 بغداد: محمد إسماعيل

 تصوير: رغيب أموري


يعدُّ سعد العاني من آخر عمالقة الخزف في العراق.. إذ يشوي الطين في أفران النار، كأنّما يمدُّ ريحاً على مسطحات صحارى الجليد.. وبينما قطع الخزف تتلظى في 1000 درجة مئويَّة، وهو يتأمّلها مبتهجاً بسعادة من ينتظر وليداً غرسه بنفسه في رحم الفرن.

وقال الخزّاف سعد إنّ "صناعة الخزف فنٌّ ينتهجه المحترف كي يدخل السرور إلى نفسه أولاً، ولأجل أن يعرض ملكاته الإبداعيّة على الناس؛ فتسجل تاريخياً باسمه ثانياً".  

وأضاف: أُفلح بتجسيد تأملاتي في الطين والفرن، أتيه بينهما في فضاء عالم لا نهائي، لأنَّ فنَّ النحت صعبٌ جداً يحتاج فيه الفنان إلى ضبط درجات اللون، وكمية الزجاج الذي يغلف الطينة، وكذلك نوع التراب ودرجة الحرارة في ظل ظروف الطاقة الكهربائية المتذبذبة في البلاد منذ 1990، ولكن بعد ذلك اكتمال تصنيع القطعة الخزفيّة، لا يتحكّم الفنان بها، إنما يودعها تحت رحمة الفرن.

وأكد سعد العاني أنّه "عندما تتقمّصني الرغبة بإنضاج قطعة سيراميك، تهيمن على مخيلتي صورة هندسيّة يكتمل بناؤها في عقلي المنطقي تماماً؛ لأن العقل المنطقي المبني على حسابات هندسيّة، يشكل جزءاً مهماً وضرورياً لتلبية شطحات خيال الخزاف، بخلاف باقي التخصصات التشكيليّة التي تعتمد على الفوضى الإبداعية الساحرة.. فسحر الخزاف منطق فيه حسابات درجة الحرارة والتحليل المختبري للتراب الذي يعجن طيناً وهو يخلط مع مركبات كيميائية وكمية زجاج مدروسة بدقة وألوان يجب ألا تسيح عندما تذيبها درجات الحرارة المرتفعة داخل الفرن"، لافتاً: "الصعوبات هي لذة الخزّاف".

وتابع أنّني "أذوب في العمل، متناغماً مع الطين والحرارة والفرن والأجواء القلقة، ذاهباً إلى غير رجعة وأنا أحلّق بذعر، مثل حمامة يرعبها خفق جناح نسر جائع في الفضاء.. إلى أن يمر الوقت اللازم لشواء القطعة الخزفية من دون انقطاع التيار الكهرباء".

وأشار إلى أنّني تعاملت فعلياً مع الطين تحت هاجس إبداعي، لأول مرة، في مديرية التراث الشعبي التابعة لدائرة الفنون التشكيلية، وزارة الثقافة، "لقد تعلمتُ فيها عمليَّاً، ما لم أتعلّمه أكاديميَّاً"، وفقاً لتعبيره.