نداء إلى ملاكاتنا التربويَّة

آراء 2023/03/04
...

 رعد أطياف

 

أجور الدروس الخصوصية التي دفعتها لنجاح ابني في الامتحانات النصفية (الثاني متوسط) 600 الف دينار لثلاث مواد، وسيتبعها الرقم نفسه في النهائيات، إن لم يكن أكثر. 

وهو مبلغ يتجاوز دخلي الثابت بمقدار النصف!.. أكثر من ذلك، أن ما يسمى بـ “معاهد التقوية” لا تقبل بأقل من 450 الف دينار للكتاب الواحد. 

وهو استثمار جيد عدا أنه في بيئة غير مهيأة لهذا الاستثمار، إذ كيف يمكن التوفيق بين التدريس الحكومي والتدريس الخاص؟ فبكل تأكيد سيؤدي إلى حالة من الفتور والتراخي واللاأبالية داخل أروقة التدريس الحكومي، خصوصاً أن الحوافز التي يقدمها التدريس الخاص تتفوق على مثيلتها في الحكومي. 

ستميل الكفة بالتأكيد للتدريس الأهلي لصعوبة مقاومة المغريات والحوافز التي يتمتع بها، فتبدأ العملية التعليمية بالنخر من الداخل.

فبهذه الحالة: اما أن تنافس المشاريع الحكومية التدريس الخاص بمزيد من التحديث والتطوير والحوافز للتعليم الحكومي، لكي ينحصر أمر التدريس الخاص بالأسر الميسورة، ولكي لا يعمل المدرسون بحصص خصوصية إضافية، أو هو إعلان غير مباشر بالتخلي عن التدريس الحكومي بالتدريج ليثقل كاهل الأسرة العراقية. 

على هذا المنوال: ينبغي على الأسرة العراقية أن تدفع فواتير الكهرباء، والتعليم، بصرف النظر عن جودة الخدمات، وبصرف النظر عن مدى كمية الدخل الفردي، وبصرف النظر عن مستوى البنى التحتية المتردية، وبصرف النظر عن كل شيء، عليك أن تدفع فقط. 

طبعا هذا النظام لا يُعرف له تطبيقات مماثلة؛ لا في البلدان ذات الاقتصاد شبه المركزي، ولا في البلدان ذات الاقتصاد المختلط، ولا في البلدان الرأسمالية ذات السوق المفتوح. 

ينبغي أن يقف صنّاع القرار وقفة جادة لتدارك هذه المعضلة الآخذة بالتنامي بشكل جنوني، حيث يصعب النجاح عموماً ما لم يُتَوَّج بالدرس الخصوصي.

التعليم آخر رأسمال بشري يمكنه أن يسند الاقتصاد في المستقبل، وهو ثروة لا تنفد (خلاف النفط!)، فلماذا لا تستثمر الدولة في هذا القطاع المهم؛ فريعه المستقبلي لا يقل قيمة من ريع الثروة الطبيعية.

يكفي أن نعرف أن اليابان وسويسرا، على سبيل المثال، أغنى من روسيا الغنية بالثروات الطبيعية! وهما غنيتان، أولاً وآخر، بنظامهما التعليمي المتقدم الذي أفرز مهارات بشرية عالية الجودة.

ولأننا نعرف أن هذا الموضوع يجابه الكثير من التحديات، في المستقبل القريب على الأقل، فنرجو من صناع القرار المحترمين أن يعثروا على حلول عملية، خصوصا لذوي الدخل الثابت المجبرين على دفع اجور الدروس الخصوصية، والمجبرين في كثير من الأحيان على الاقتراض لتسديد ديون الدرس الخصوصي.