وراء قفزة الاقتصاد الصيني مقولتهم (لا يهمُّ أن تكون القطة بيضاء او سوداء طالما أنّها تأكل الفئران)، ومما لا شكّ فيه ان اقتصادنا قوي الاستهلاك ضعيف في جانب التنمية بسبب العلاقة المتقاطعة بين الاستهلاك والتنمية.
فعندما نقارن مسيرتنا الاقتصادية والتنموية مع تجارب الدول النامية فإنّ النتائج غير مشجّعة ما دمنا لم نحدد اشكاليات العلاقة بين رأسمال الدولة ورأس المال الاهلي، التي امست مصدر الاتهام داخل النظام الاقتصادي المتناقض بين تيارات رأس المال نفسه وآليات تحويل مصادر الثروة الى خارج البلاد، سواء لتمويل التجارة ام الاحتفاظ بفوائضها في البنوك الاقليمية.
فذريعة الاستقرار والحفاظ على مستوى المعيشة من جانب السياسة النقدية ستبقى اولوية لا اهمية لها في حركة راس المال والصراع بين راس المال الاهلي وراسمالية الدولة وقواها الريعية (د.مظهر محمد صالح/الاقتصاد الريعي المركزي ص20/2013).
وعليه، ينبغي رسم سياستنا النقدية والمالية والاقتصادية وصولا لهويتنا الاقتصادية لتكون بنية تحتية واضحة المعالم، فهذا التحدي المالي نجم عنه ضعف الثقة بالادخار لنصبح ثالث او رابع دولة في استيراد الذهب للاكتناز؛ لينضم الى الترليونات من الدنانير خارج التداول الرسمي والمصرفي، اذ نشأت دكاكين لرهن الذهب مقابل الدولار وبعد انتهاء المدة القصيرة يسدد صاحب الذهب بالدينار ليستفاد من فرق العملتين كالتفاف شرعي على الفائدة التقليدية.
إنّها عملية تدوير ليست انتاجية بل مجرد مواجهة لنفقات مستحقة، رغم ان ضمانة الذهب خالية من اي مخاطرة، وهكذا تتوسّع هذه التوجهات غير الانتاجية وغير الضرورية ليصبح البيع بالتقسيط سائدا وبإفراط حتى شراء الدولار وتسديده باقساط مريحة اذ حتى العمرة باتت
بالاقساط.
إنّ قوة التيار الاستهلاكي تأتي دائما على حساب الانتاج اذ ترتفع كلفة الانتاج امام المستورد العشوائي او الاغراق المبرمج وغيرها من التعقيدات الاقتصادية التي أثرت سلبا في معاملنا الحكومية والاهلية وغالب الصناعة التحويلية، فضلا عن المنتج الزراعي والحيواني
عموما.
لذلك تعد القروض غير التنموية ترقيعية وليست حلا بقدر ما تعزز النهج الحالي، الذي تحدده سوق العملة التي تعزز النزعة الاستهلاكية يوميا بداعي استنساخ اقتصاد السوق ومستلزماته استنساخا ليس بريئا بعد تغذية الاستهلاك بكل تجلياته، ما أفرز لنا شريحة الرأسمالية الطفيلية الضليعة بتشوهات التحويل المالي والتهرب الضريبي وشبهات غسيل الاموال وإفساد الذمم.
نأمل من أصحاب القرار والقائمين على الملف الاقتصادي مراجعة دقيقة للانحرافات المالية والنقدية التي حصلت في السنوات السابقة لنمضي مرفوعي الرأس ونتجاوز ما حدث من سوء الادارة لمواردنا الاقتصادية.