د.حامد رحيم
ما زالت الحلول للمعضلات الاقتصادية لدينا ترقيعيَّة على مستوى السياسيات التطبيقية والحلول المقترحة، إذ نسمع في كل مرة دعوات تنطلق من منابر عديدة تدعو إلى توزيع الرواتب بالدولار، وهي محاولة لمعالجة أزمة الدولار المتكررة بين الحين والاخر، اذ ترى تلك الرؤية أن توزيع الرواتب كلها أو جزء منها بالدولار سيوفر معروضا دولاريا داخل النشاط الاقتصادي، سيقود في النهاية إلى خفض قيمته تجاه الدينار مما يقود إلى السيطرة على معدلات التضخم، وهي دعوة إلى ما يعرف اقتصاديا بظاهرة (الدولرة).
هذه الظاهرة تعني ببساطة إحلال الدولار بشكل جزئي بدل العملة الوطنية في التعاملات الاقتصادية المحلية، وتشمل عمليات تبادل السلع والخدمات والايفاء بالالتزامات المالية المتنوعة وسداد الديون، أن هذه الظاهرة هي قرينة للاقتصادات المتخلفة لبنان أنموذجا، كما تظهر تلك الحالة في سلوك (السياح) وهو امر طبيعي عند هذا الحد، فالدولار هو العملة المستخدمة في التعاملات التجارية والمالية (الدولية، والتي نتجت عن الأحداث السياسية التي تبعت الحرب العالمية الثانية، وهو أمر واقع ومقبول دوليا إلى الآن، رغم بعض الحركات الخجولة من المحاور المنافسة للولايات المتحدة الأميركية لإيجاد بديل عنها.
إن معضلة الدولار في العراق لها جذور تتعلق (بالفساد) وعمليات التهريب وغسيل الأموال، لذلك محاولات القفز على تلك الحقيقة لن تحل المشكلة، وحل الدولرة سيعمق المشكلة أكثر من ناحية الأثر المترتب على تلك السياسية، ويمكن بيان الاثر المحتمل لتلك الظاهرة بالآتي:
1 - إن اللجوء لها سوف يرفع من مستويات الطلب على الدولار داخليا مما سيرفع قيمة الدولار اكثر، وهذا سيقود إلى ضغوط تضخمية باعتبار أن الاستيرادات تشكل جزءا مهما من الطلب الداخلي وسنصنع شكلا جديدا للطلب، ويمكن تفسير ذلك بأن الأفراد ليسوا كلهم موظفين يتقاضون رواتب، وهذا يعني أن هؤلاء سوف يطلبون الدولار من محال الصيرفة.
2 - إن ظاهرة الدولرة سوف ترفع من مستويات (الربط) الاقتصادي الداخلي بالدولار، بمعنى أن هناك عاملا جديدا يضاف إلى ربط العملة بالدولار عبر سعر الصرف، متمثلا بالتعاملات الداخلية المشار اليها آنفاً، وهذا يعني رفع من ظاهرة (التبعية) في الاقتصاد المحلي، ولنتخيل لو أقدمت الولايات المتحدة الأميركية على تقليل دفعات الضخ الدولارية لعوامل سياسية إلى الاقتصاد العراقي في ظل تشابك الالتزامات المالية الدولارية الداخلية ما الذي سيحصل؟.
3 - إنَّ الأثر المهم يكمن في اضعاف اثر (المثبت الاسمي) المتمثل بسعر الصرف الرسمي عبر النافذة، إذ إن ضعف العمق المالي في الاقتصاد العراقي أجبر البنك المركزي إلى اللجوء نحو سعر الصرف بديلا، مما ساعد الأخير من القيام باجراءات التعقيم لاثر الانفاق الحكومي المتزايد، عبر سحب الدينار عبر النافذة، وكان ذلك عاملا حاسما بالسيطرة على التضخم عبر كل السنوات الماضية، فلو حلّت الدولرة فان ذلك سيقوض قدرة البنك المركزي إلى حد كبير من سحب الدينار العراقي من السوق لاتمام اجراءات التعقيم.
4 - إن الدولرة سوف تضعف من مكانة العملة الوطنية مخزناً للقيمة، وهذا أمر ضار جدا ناهيك عن مكانتها رمزا للسيادة الوطنية المفترض أن نعززها.
وانطلاقا مما تقدم ينبغي رفض هذه الاجراءات، بل اللجوء إلى محاربتها كونها الآن موجودة وإن كانت في نطاق ضيق جدا مثل التعاملات في سوق السيارات والتعاملات في بعض العقارات وغيرها، فيجب على الحكومة ونحن في ظروف استثنائية منع هكذا تعاملات.