زهير كاظم عبود
ضمن مسلسل الفساد الذي بدأت الحكومة العراقية باتخاذ خطوات جادة وجريئة لملاحقة المتهمين واخضاعهم للتحقيق القضائي، لجأ بعض المتهمين إلى محاولة التخلص من الخضوع للتحقيق والفرار إلى دول خارج العراق، وتمكن عدد آخر منهم ممن صدرت بحقهم أحكاماً غيابية أن يغادر العراق.
ولما كان التحقيق لا يمكن أن يغلق او تتوقف الإجراءات بغياب المتهم وعدم حسم الملف، ولما كان قانون أصول المحاكمات الجزائية قد تناول هذا الجانب بشيء من التفصيل، وتمت المباشرة باستعادة عدد من المتهمين من دول عربية وغير عربية، تعاونت وفقا لما تنص عليه القوانين الدولية والعلاقات والاتفاقيات المشتركة، وتلك المبادرات التي ظهرت لملاحقة المتهمين تدلل بلا شك على جدية الحكومة في ملاحقة المتهمين وحرصها على المال العام، ومع كل هذه النصوص القانونية النافذة، نبقى بحاجة ماسة لتعاون دول الجوار والدول الصديقة لتسليم المتهمين بالطرق الأصولية، كما نبقى بحاجة ماسة لتعاون وانسجام الشرطة الدولية ( الانتربول ) في هذا المجال وبشكل سريع يتناسب مع الحملة، التي تقودها السلطة القضائية والتنفيذية وبما يحقق الهدف والغاية منها.
حددت النصوص القانونية في قانون أصول المحاكمات الجزائية أن الإجراءات المتبعة في الإنابة القضائية وتسليم الأشخاص، سواء كانوا من المتهمين الذين لم تزل قضاياهم قيد التحقيق أو المحكوم عليهم من الذين صدرت بحقهم أحكام من المحاكم العراقية، وتمت مغادرتهم العراق إلى بعض الدول العربية والأجنبية، مما يستوجب أن تراعى الأحكام والنصوص المذكورة في قضايا تسليمهم، والعمل على تفعيل الإنابة القضائية في ما يخصهم، مع مراعاة أحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الدولي العام، إضافة إلى مبدأ المعاملة بالمثل الذي يجب مراعاته والعمل بموجبه مع تلك الدول.
وفصلت تلك المواد القانونية بين مبحث الإنابة القضائية وبين مبحث تسليم المجرمين، وشمل المبحث الأخير المتهمين بارتكاب جريمة وقعت داخل ارض العراق أو خارجه، وكانت القوانين العراقية تعاقب على ارتكابها بالسجن مدة لا تقل عن سنتين أو أية عقوبة أشد، أو أن تكون الجريمة معاقبا عليها أيضا، وفقا لقانون الدولة الأجنبية طالبة التسليم، كما يشمل أيضا المحكومين بأحكام صادرة من المحاكم العراقية مدة لا تقل عن ستة أشهر أو أية عقوبة اشد، كما يشمل التسليم أيضا إذا كان الحكم قد صدر من محكمة أجنبية بالعقوبة
نفسها.
واشترطت النصوص لصحة التسليم ألا تكون الجريمة المطلوب التسليم من اجلها سياسية أو عسكرية وفقا للقوانين العراقية سياسية، والجريمة السياسية هي الجريمة التي ترتكب ببواعث والجريمة السياسية تقع على الحقوق السياسية العامة أو الفردية وفي ما عدا ذلك تعتبر الجريمة عادية، ولم يعتبر القانون العراقي الجرائم التالية جرائما سياسية حددتها الفقرة (أ) من المادة 20 من قانون العقوبات منها:
الجرائم التي ترتكب بباعث أناني دنيء
* الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي.
* جرائم القتل العمد والشروع فيه.
* جريمة الاعتداء على رئيس الدولة.
* الجرائم الإرهابية.
* الجرائم المخلة بالشرف كالسرقة والاختلاس والتزوير وخيانة الأمانة والاحتيال والرشوة وهتك العرض.
إن أهمية تسليم المجرمين تأتي من باب الملاحقة القانونية والقضائية استكمالا للقضية التحقيقية المعروضة أمام القضاء، والتوصل إلى توفر الأدلة ضد المتهم من عدمها، ليصار إلى إصدار قرار بالإحالة أو بالإفراج من سلطة التحقيق وحسم القضية.
وتسليم المتهمين أو المجرمين الموجودين في دولة أخرى خارج العراق، بناء على طلب من السلطة العراقية مقترنا بأوامر قضائية تفيد وتشمل ارتكاب المتهمين جرائم في العراق أو خارجه ضد العراق، وخصوصا قضايا الفساد واختلاس الأموال العامة والاثراء على حساب المال العام وتهريب المال العام خارج العراق، مما يستوجب التحقيق معهم وإخضاعهم للإجراءات القانونية، وصولا إلى القرار الفاصل في التحقيق والمحاكمة، أو بصدور حكم قضائي عراقي من محكمة عراقية يستوجب التنفيذ.
وتشكل ملفات الاسترداد أهمية كبيرة في جدية الإجراءات التحقيقية وملاحقة المتهمين، كما تشكل موقفا وطنيا للحد من ظاهرة الفساد ومعالجتها ومحاكمة مرتكبيها وفقا للقانون، وهناك نوعان من الذين تتم ملاحقتهم، الأول هم المتهمون قيد التحقيق، والثاني من صدرت بحقهم أحكام غيابية من محكمة عراقية مختصة، وفي جميع الأحوال وضمانا لتحقيق العدالة فإن الامر يتطلب وفقا للقانون الدولي أقصى أنواع التعاضد والتكاتف والتعاون مع الدول، التي تتم ملاحقة المتهمين او المجرمين على أراضيها، وأن تسمو على كل المواقف مهمة تقديم المتهم إلى التحقيق القضائي حماية للعدالة وحماية للمال العام وحماية للتطبيقات القانونية التي ينبغي ان تنطبق على
الجميع.
إنَّ المتهم بريء حتى تثبت ادانته، كما أن جميع العراقيين متساوون امام القانون، والفيصل في قضايا تحديد شكل المساهمة ونوع التهمة وكفاية الأدلة من عدمها منوطة بالقضاء، وهو مستقل لا سلطان على القاضي الا بالقانون، وسرعة الإجراءات المتخذة ورصانة القرارات القضائية وابتعادها عن الضغوطات السياسية والخلافات، جميعها جديرة بأن تسهم كخطوات كبيرة للقضاء على الفساد الذي جثم على صدر العراق وامتص أموال الشعب وفرط بقوت الناس وهم أحوج لها ضمن هذه الفترة العصيبة من التاريخ العراقي، فالشجاعة المطلوبة للقرار القضائي تدلل بشكل ثابت على استقلالية السلطة القضائية، واعتمادها الحياد والحكمة ومصلحة الشعب في قرارات قضاة التحقيق أو قضاة محاكم الجنايات المختصة، وأن يضع القاضي مصلحة وحقوق شعب العراق وما سيكتبه المستقبل امامه قبل أن يكتب القرار، وألا يخشى في الحق
لومة لائم.