بشير خزعل
السياسة النقدية في العراق لم تتحرر من تبعات سوء الادارة وأزمات القطاع المصرفي في قوانينه البالية، التي عفا عليها الزمن منذ عشرات السنين، وما يحدث أخيرا من تخبط وارتداد في اسعار الصرف، التي اثرت بشكل سلبي كبير على فئات واسعة من المواطنين، فسببها الاساس هو فوضى السياسية المالية، فما زالت بعض المصارف ومكاتب الصيرفة لا تلتزم بسعر الصرف الذي اقرته الحكومة، وأصبح الفرق الشاسع ما بين السعر الحكومي والسعر التجاري سوقا سوداء للمضاربين وسماسرة بيع الدولار
في خضم هذه الفوضى ازداد الضرر على المواطن البسيط بالداخل والخارج، في الداخل تضرر الناس من ارتفاع الاسعار، وفي الخارج أصبحت الحوالات الخاصة بالسفر والعلاج والمعيشة للعائلات والطلبة تتطلب معاناة في اجراءاتها وطوابير الانتظار، من أجل الحصول على سعر الصرف الحكومي المخصص بسبعة آلاف دولار اميركي سواء من المصارف أو في داخل صالة المطار، وهذا المبلغ لا يفي أغراض الدراسة والعلاج، وحتى مصاريف المعيشة لبعض العائلات التي تقيم في الخارج، الامر الذي يقتضي رجوع المواطن إلى الأسواق السوداء لشراء الدولار بسعره التجاري، هذه الازمة فتحت أبوابا من المتجارة بفرق سعر الصرف ما بين البنك المركزي والمضاربين باسعار العملة الاجنبية، من واجب الجهات المختصة بالسياسية المالية المطالبة بتعديل السياسة النقدية المتبعة وتحرير القطاع المصرفي من قبضة الدولة.
اذ لا بد من تطوير القطاع البنكي لدعم القطاع الخاص، من خلال التعاملات في منح السلف والقروض والأرباح والفوائد واعتماد سياسة تدوير العملة، كثيرة هي القضايا التي يجب مناقشتها مع القائمين على البنك المركزي أو المسؤولين عن القطاع المالي، وخصوصا في مجال القوانين التي تضمن للمدخرين ودائعهم المؤمنة في البنوك بدلا من تخزينها في البيوت، بسبب خشيتهم من السياسة النقدية المتبعة في المصارف العراقية، التي تجعل المواطن والتاجر يندم على ايداع امواله في اي مصرف حكومي، لأن النظام المصرفي في العراق قديم جدا ولا توجد فيه وسائل جذب أوضمانات لأصحاب روؤس الأموال، فالتعامل الإلكتروني لا يرقى إلى مستوى تعاملات المصارف الحديثة في باقي دول العالم، وجميع المصارف العراقية تسير في مجالين لا ثالث لها، الأول يتمثل في المصارف الحكومية، التي تعتمد في أرباحها على الخدمات المصرفية التي تقدم لمصارف الدولة كالحوالات والرواتب والصكوك المصدقة، أما المصارف الأهلية فإنها تعتمد على مزاد العملة التابع للبنك المركزي لتمويل رجال الأعمال بالمشاريع الخاصة والمرتبطة بالضمانات الحكومية، وجميع هذه المؤسسات المالية الأهلية لا تزال تحت الإطار الحكومي.
اعطاء القطاع المصرفي حرية ضمن ضوابط وشروط ملزمة في التعاملات المصرفية ضرورة لا بد منها، وبحاجة إلى مساحة أكبر للعمل داخل القطاعات المالية والتعاون مع مصارف عالمية لاكتساب الخبرات، للارتقاء بمستوى فعال وحقيقي لإحـداث نهضة اقتصادية في البلد من خلال وجود مؤسسات مصرفية متطورة قادرة على مواجهة الأزمات الطارئة أو الكامنة، القوانين المصرفية التي ما زال العمل بها جاريا منذ سبعينيات القرن الماضي لم تعد ملائمة لوقتنا الحاضر، وستظل تسبب ارباكا وفوضى مستمرة في السياسية المالية واسعار الصرف، ما لم يتم تغييرهذه السياسية والاستفادة من خبرات الدول المتطورة في القطاع المصرفي والمالي، فسيبقى العراق في دوامة صراع سعر الصرف ما بين السعر الحكومي والمضاربين بسعر
الدولار.