الأثر المكاني في أعمال موسى عباس

ثقافة 2023/03/06
...

 زهير الجبوري 


منذ عقود والفنان التشكيلي موسى عباس يدور في فضاءات لوحاته التي لا تخرج عن تفاصيل المكان وشحناته وعلاماته البارزة والأثر الذي نتج عن إبداع حاضر أمامنا، هو من أبرز الفنانين العراقيين الذين لهم صلة مباشرة بالجذر المكاني، ربما لأن طفولته ونشأته ساهمت بشكل كبير في كينونته الفنية، وهي ميزة تمتع بها العديد من فناني العراق، ومع دراسته للفن التشكيلي صقلت تجربته بشكل راكز واختار له اسلوبا خاصا في عالم الفن التشكيلي.

وعلى الرغم من تعدد اشتغالات الفنان موسى عباس في فروع الفن (كونه مصمما من طراز خاص)، الاّ أَنَّ عالم اللّوحة تبقى ديدنه الأول، وهذا ما برّزه كفنان منتج ومتواصل في كلّ مراحل الأبداع التشكيلي في العراق، وهنا أعني مشاركاته في المعارض التي تقام في العاصمة بغداد أوفي مدينته الحلة أو في باقي مدن العراق، ولعل هذا الاندفاع اعطى له سمة خاصة في اضافة ثيمات جديدة في أعماله.

الملفت للنظر في لوحات الفنان، أنّه يربط موضوعاته بالأثر المكاني (كالأزقة والشناشيل والطبيعة)، إلا أن هذه الأعمال نجدها تأخذ عمقاً تفصيليا معمقا، حيث الغور بتفاصيل كل ثيمة يأخذنا إلى منطقة عميقة في التأمل، وتحديدا في تناوله العلامات المكانية في الأزقة الشعبية، إذ نلمس عبر منظور الّلوحة أن (الشبابيك) أو (الأبواب) أو (القباب)، تستنهض حضورها عبر صياغة الشكل بالطريقة التعبيرية المجردة، وهي طريقة أدائية لما بعد الشكل التصويري (الفوتوي)، وقد ساهم في ابراز هذه الأشتغالات طريقة استخدامه في الألوان، حيث الألوان الزيتية التي يشتغل عليها (الحارة والباردة) استخدمها بمهارة غاية الدقة وبأبعاد محسوبة، ومن خلال كل ذلك يمكن تحديد قراءاتنا لأعماله أنّه لا يريد العزلة عن تفاصيل الوجود الحياتي المعاش، لكن المهارة في استخدام في فتح شفرات الأشياء المتداولة عبر التكنيك اللّوني، برّزت تجربته، فعلى من يتابع تجربته يتفحص جيدا أنّ المضمون لا يكتمل عنده الاّ من خلال المهارة اللونية.

موسى عباس، فنان ينظر للحياة عبر ألوانه، فكانت الطبيعة، وكانت حياة الأنسان المنتمي إلى الأرض والمياه، فلوحاته التي ترسم الطبيعة، هي لوحات وجود البشر الرافديني الذي له جذر الحياة بتفاصيلها المعهودة في الأنهار والأشجار والسماء والبيوت الطينية، ثمّة لغة نستشفها من عبق المكان هذا، تعيدنا الى أديم الأرض والعلاقة الروحية المتبادلة، وكأننا نقرأ

وجودنا. 

إن ما يجعل هذا الفنان في تواصل، هو ملامسته لهواجس وشعور المتلقي، وهي ميزة حساسة وذكية، ربما نقلته من منطقة النخبة الى منطقة أوسع في التلقي، لهذا كانت تجربته حاضرة ومؤثرة، حتى أن مخيلته هي مخيلة انسراحية لفضاء الأمكنة، سواء في الأزقة والأبنية التي يلتقطها، أو في الطبيعة وما تمتلكه من سحر الوجود، أحسب أنَّه استطاع أنْ يحقق هوية الفنان العراقي الذي يعكس الواقع عبر منجزه الفني والتشكيلي، بل هويته الشرقية/ العراقية، علامة فنية معبرة عن إبداع له بصمة واضحة.