الدولة تؤمّم المواطن

آراء 2023/03/07
...

 سناء الوادي 

 قراءة النص المجتمعي تعكسه اللقطات اليومية للواقع، الذي يعيشه المواطن بأدق تفاصيلها، وكل القلق يكمن في خشية أن تتطور هذه اللقطات لأن تصبح ظاهرة خطيرة تنذر بدمار الدولة ككل، وذلك عندما تتحول الدولة الحارسة إلى حابسة، فالعملية السياسية بالعموم مؤدلجة لخدمة الصالح العام ودعم الشعب اقتصادياً وصحياً واجتماعياً، لتنال الدولة الرضا العام في الشارع المحلي، وبالتالي تستحق شرعيتها التي تستمر على أساسها.

قبل أن أخوض في زوايا أفكار هذا المقال لنقف قليلاً عند مصطلح التأميم لنفهم المقصود منه، وفي إضاءة عاجلة نرى أن الدولة تلجأ لتأميم منشأة أو شركة، أي تجعلها مملوكة للدولة أو على الأقل تخضع للقوانين الإدارية فيها وتتدخل في طريقة عملها، بما يحقق خدمة لمواطنيها ويرفع من المستوى الاقتصادي لهم أو لفرض سيادتها على كل ما يقع ضمن حدودها، وخير مثال على ذلك ما قام به الرئيس جمال عبد الناصر عام 1956م عندما نقل ملكية قناة السويس من الحكومة الفرنسية إلى الحكومة المصرية آنذاك،وطبعاً لك أن تتخيل ماذا يعني أن تسترد مصر سيطرتها على هذا الممر الستراتيجي البحري، وتتحكم بحركة العبور فيه وما يدرّ من عائدات على الخزينة العامة للدولة، ناهيك عن الأمثلة اللامتناهية عن تأميم الشركات والمصارف، وهذا ما حدث فعلياً في العراق عام 1964م عندما نقلت ملكية المصارف من الخاص إلى القطاع العام لتصبح البنوك ملكاً عاماً للشعب، ولربما تعود فكرة التأميم إلى فترة أفلاطون، الذي انتقد فكرة الملكية الفردية المطلقة ودور الدولة الفعال في إرساء قواعد ممارسة الملكية الخاصة بما لا يتعارض مع مصلحة المجتمع، ويحمل هذا المصطلح العميق في طياته الكثير من العدالة الاجتماعية وإلغاء الفروق بين الطبقات، حين تتوزع العوائد بين المواطنين لتحقيق رفاهية الإنسان والرخاء الثقافي والمادي والاجتماعي، وفي ذلك سرّ كينونة وجود الدولة وهنا يتمحور هدفها الأسمى.

وفي ظلّ التحديات المفروضة على منطقتنا العربية، حتى يطغى الثاني على الأول وتصبح نقطة التقاطع بين الحفاظ على حاكمية السلطة من طرف وحماية حقوق المواطن والحفاظ على كرامته ووجوده على أرضه من طرف آخر في مرحلة التلاشي، فما تتخذه الحكومة من قرارات وإجراءات تثبت أنها بعيدة كل البعد عن هموم ووجع الشارع الحقيقي بل وتساهم في مزيد من الضغط المعيشي على من بقي في بلده، فلتقوم الحكومة «على اختلاف الأسماء» التي تمثل بدورها الأداة التنفيذية لإرادة الدولة وأهدافها بمراجعة الأولويات الموضوعة على جدول أعمالها ماذا تحقق منها على أرض الواقع وماذا بقي أسير الكلمات المنقوشة على الورق.

في هذا السياق تزداد الهوّة في علاقة الفرد بدولته، لتتشكل حالة من عدم الثقة بالسلطة وتفاقم الإحباط بين الناس بقدرتها على مواجهة الأزمات بجميع أشكالها، وهذا ما يؤدي بالنتيجة إلى شعور الفرد بأنه مستنزف بأبسط حقوقه اليومية كالمأكل والملبس والمسكن، فكم يبلغ عدد الحالمين بامتلاك منزل أو حتى الحصول على احتياجات أسرته، دون أن يثقل كاهله الاقتراض، إن إنهاك المواطن بهموم يومية قد تكاد تكون مستحيلة التحقق يجعل من هذه الحكومة أداة محلية لتنفيذ مطامع خارجية بهدم الشعب، الذي يشكل اللبِنة الأساسية للدولة، فإذا ما هُدمت تخلخل الكيان المجتمعي ككل.

ناهيك أننا ألفنا الفساد في كل الدوائر الحكومية وصار من المسلّمات التي لا تمشي عجلة الحياة بدونه، وبتنا نتمنى أن يُضرب أحد الفاسدين النافذين بيدٍ من حدي، ليكون عبرة لغيره فيعيد شيئاً من الثقة بمكانة المواطن لهذه الدولة، حتى في حالة الكوارث الطبيعية التي تختار بلادنا موئلاً لغضبها، تبرهن الدولة من جديد أنها لا تسعى لخدمة المواطن، بل تستخدمه لخدمة وجودها وتؤممه لصالح بعض الفاسدين، فيغدو جزءاً من ممتلكاتها الخاصة تتصرف به كيفما تشأ.

بيدَ أنه من المحال أن تتبدل العلاقة بين الطرفين من سلبية تنافرية إلى علاقة تشاركية، يسودها الأمان إلا بإرجاع الهيبة للمواطن، الذي يُحقّر ويُسرق ويفتقد العدالة الاجتماعية، وبذلك فقط يتم التأسيس لعودة الهيبة للسلطة وعندها فقط تمارس مهامها بتنفيذ العقد الاجتماعي بكل شفافية ومصداقية.