رسائل إلى أمي.. في {دكّانة المتنبي}

ثقافة 2023/03/08
...

وارد بدر السالم


تُديم مؤسسة رؤيا، في شارع المتنبي عبر معرضها الدائم “دكانة”، علاقتها بالفنانين التشكيليين، من تجريديين وتعبيريين وتجريبيين ومفاهيميين جدد. بما يضمن تشجيع النشاط الثقافي عبر العنصر الفني المساهم في إرساء تقاليد فنيَّة- ثقافيَّة تضمن العلاقة المتوازية والمتوازنة بين المؤسسة وفنانيها المبدعين من الشباب وغيرهم.

وقد تابعنا الكثير من نشاطاتها الشهرية وتعرفنا على العديد من الشباب الذين غامروا في نحت الواقع الفني بوعي، وخروجه عن التقليد التي تعرفنا عليها في معارض كثيرة. وهو ما يسجل لهذه المؤسسة من ريادة في جعل مقتربات الفنّ التشكيلي متاحة كثيراً إلى الآخرين من الهواة والمتذوقين والجمهور العام. بما فيها من تجريب ومغامرات فنية.

وهذه المرة كانت مع الفنان حيدر جبار العائد من مغتربه البلجيكي إلى الوطن- الأم ليضع مفارقة حنين رسمية وحروفية عبر شخصية الأم الغائبة- الحاضرة في وعي الرسم والحروف، التي شكلت معرضاً صغيراً، له دلالاته الكبيرة في توصيف أكثر من لحظة امتزجت وتداخلت فيها ثيمة الأم على شكل رسائل ولوحات صغيرة.

أخذت الرسائل الحيز الأكبر من الدكّانة، فهي خلاصة من خلاصات الحنين الشخصي إلى الطفولة والأم والتجذير الأول في تكوين الحياة بشقها العام. بما يضمن العلاقة النفسية بين الفنان والمتلقي في تقاربها الروحي، لاسيما الرسائل التي تتصل بروحية المتلقي، فالأم جذر واقعي، وجذر رمزي- وطني، وهي شجرة في حياة الإنسان, لهذا أخذ الفنان إدامة صلته بالرسائل أكثر من إدامته للوحات. فالكلمات في كثير من الأحيان تجذّر صلتها بالآخر، أكثر من الرسوم والألوان والتخطيطات، لما للكلمة من سحر مباشر على التلقي العام. ومع هذا حاول الفنان أن يكوّن من نظرية الأم الغائبة لوحة شمولية تفترعها الرسائل- الكلمات واللوحات الصغيرة المناسبة للعرض. حتى ليبدو العرض كأنه عرض بَصري تشاركت فيه الكلمات والرسوم.

“رسائل إلى أمي” (عنوان المعرض) حنين طفولي صارع الزمن وتجلياته الكثيرة في وجه الأم الغائبة والحاضرة رمزياً (حينما كنتِ تحضنيني عائداً تركض بي اللهفة لأرتمي في جب أمانك وحنانك في أول يوم لي في المدرسة) وذكريات عالقة بين اللوحة ومصدرها القديم. بين اللون الشاحب والجرأة على مزاولة الأمل الذي تمثله الأم بكل قدسيتها (أحبكِ أكثر من أي شيء في هذا العالم) مثلما هي حاضنة للذكريات البغدادية عبر وجوه النساء التي تقطع الكلمات وترتسم في مخيال الفنان. كجزء من تضمين الرسالة لرسمات سريعة شاحبة، كأنها استدراج لذاكرة مغتربة. تريد أن تبقى فـ (الكلمات والقصص المصورة هي هاجسي الدائم) كما قال الفنان.

اللوحات الصغيرة المرافقة للرسائل في مائياتها المعتمة نسبياً، استكمال لذلك الألق في الحنين إلى الطفولة، وإيضاح لفكرة المغادرة الشاقة لمرابع الطفولة والجو المحلي العام، وتجسيد الأم في الرسائل في رسمها عبر الكلمات، وتوسيع فكرتها إلى شمولية الحنين الشعبي بكل ما فيه من أثر يبقى، وما فيه من جماليات أصيلة.


بطاقة شخصية للفنان حيدر جبار:


• درس الفنّ الأكاديمي في معهد الفنون الجميلة.

• عمل مديراً فنياً للأفلام السينمائية.

• ماجستير في فنّ الرسم المعاصر من الأكاديمية الملكية للفنون في مدينة خينت/ بلجيكا.

• أقام عدداً من المعارض الشخصية والمشتركة في بلجيكا وهولندا وأنطاليا وبغداد وأربيل.