عادل سعد: تعلمتُ الكتابة من شخصيات لا تعرف القراءة والكتابة

ثقافة 2023/03/08
...

حوار: رابعة الختام

يظل الروائي عادل سعد كاتبا مختلفا، بدأ كتابة الرواية بعد سن الستين، ويشق طريقا مغايراً عن الآخرين. تدور روايته “الكحكح” الفائزة بجائزة الطيب صالح حول عجائز، نصف دستة مسنات وحيدات تجاوزن الخامسة والثمانين، البنك، التأمينات، الأقارب والعالم، يعدون على الأصابع انتظارا لموتهن، وشراء أكفانهن، لكنهن يقررن الحياة.

كل واحدة تستضيفهن يوماً بالأسبوع، تطبخ أحلى المأكولات، ليعشن بحرية، يشاهدن أفلام أودري هيبورن ورشدي أباظة وسعاد حسني.

صاحبة فكرة الاجتماع “أنعام” مدرسة المسرح والغناء أتاحت لهن أفقا جديداً ووفرت فكرة التداوي والعلاج بالمسرح.

أثارت روايته إعجاب الكثيرين بعد أن سافر عبر السرد ليحصل على شهادات نساء على مشارف الموت عن معنى الحياة.

 صدرت له عدة روايات: “الأسايطة، رمضان المسيحي، أيام الطالبية، البابا مات، الكحكح”.

تحدث بلا مواربة في هذا الحوار عن الأدب والجائزة والوسط الثقافي وطقوس الكتابة.

*هل تجاوزت الرواية نجيب محفوظ ويوسف إدريس ؟

**طبيعى جداً أن تتجاوز الرواية نجيب محفوظ والقصة القصيرة إدريس، لأن الحياة تتقدم للأمام، لكن بعض الناس لديهم كسل عقلي ويفضلون الاستناد إلى أريكة معارفهم القديمة ويرفضون التعرف على معالم الجديد حتى لا يرهقوا أنفسهم.

وهذا التطور لا يلغي أبدا محفوظ وإدريس لأن الناس حتى الآن تغرف من أعمال هوميروس والفلاح الفصيح في مصر القديمة ومقامات الهمداني وألف ليلة وليلة.

تطور أساليب السرد والحكي يعني أن نقدم حلولاً جديدة للكتابة الممتعة لم تكن متوقعة من قبل وهذا لا يلغي اجتهاد القدماء.

*هل انتشار الرواية التاريخية يعني أن الكاتب بلا تجارب تستحق الكتابة؟

**أعتقد بأن هذا صحيح جداً في أغلب الأحيان، والهروب من عالمنا المعاصر جريمة كاملة، لأن من أهم أدوار الروائي أن يتصدى لما يحدث في مجتمعه بالدراسة والنقد وليس طبيعياً أن يترك منطقة كمنطقتنا تشهد عجائب؛ مثل نزوح عشرة ملايين لاجئ في سوريا أو قتل مليونين ونصف المليون في العراق أو ظهور الدواعش كعصابة واحتلالهم الأرض في دولتين، وبدلا من التصدي لكل هذا نذهب لمحاسبة المماليك أو أحمد بن طولون، تلك سخافات.

**منذ كتابة الإخوة كرامازوف يراودنا سؤال، من أين يلتقي المبدعون شخصياتهم؟

*يلتقونها في الشارع وفي حياتهم وأثناء النوم وأنا لا أحترم أي كاتب بلا تجربة حياة عميقة، هيمنجواي خاض حربا عالمية واشترك في ملاكمات الشوارع ونام على أرصفة باريس قبل أن يكتب أدباً عظيماً، وديستويفسكي وقف أمام فرقة الإعدام لإطلاق الرصاص على رأسه في سيبيريا وبعد العد لإطلاق النار وصل على جواد قرار تخفيض العقوبة.

التجارب العميقة والعنيفة ضرورية لإنتاج أدب عظيم، أما أدب التسالي والثرثرة فهو موجود في كل العصور وينتهي أثره بعد قليل، تماما مثل أغاني هذه الأيام؛ فقاعة تنفجر وتشغلنا وبعدها تختفي للأبد. وللأسف نقادنا أعداد كبيرة منهم تنساق وراء تلك الفقاعات وهم أنفسهم فقاعات.

**روايتك الكحكح عن نساء تجاوزن الخامسة والثمانين، كيف تراها؟ تحدث عنها وعن أقرب أعمالك إلى قلبك 

*رواية “الكحكح” عن نصف دستة مسنات وحيدات، جمعت تجاربهن من الشارع والحارة وصديقاتي الفنانات ونساء المجتمعات الراقية، ومساحات السلالم، شخصيات حلمت بهن والتقطت بعض قصصهن من الأحلام والواقع، حتى انك لا تجدين حداً فاصلاً بين الواقع والتخييل، وهذا ما أردت فعله، هذا النص ربما لم أكتبه أنا ولكنه كتب نفسه، هؤلاء النساء تقافزن على الورق ورسمن قصصهن بقطرات الحبر، أقمن مسرحاً  لتصبح إحداهن رجلاً أو ملكة أو سفاحة وتقتل وتحب وتغني وترقص، وهذا ما حدث.

*في الأسايطة ملحمة تاريخية لبشر من دم ولحم، تحدث عنها؟

**الأسايطة تظل رواية من وجهة نظري خالدة ربما لأنها أول محاولاتي لكتابة الرواية، وفكرتها مجنونة؛ أن تكتب عن مدينة بأكملها سكانها 5 ملايين وعبر مساحة 200 سنة، هذا جنون لكنه تحقق بالفعل وكتبتها بأسلوب السيمفونية الموسيقية، سوناتا، لحن رئيسي تخرج من داخله تنويعات، إنها قصة صناعة أكاذيب التاريخ في مصر والإرهاب المسلم والمسيحي وإرهاب الدولة.

*من هم آباؤك الحقيقيون في الرواية والقصة القصيرة؟

**ماتت أمي شربات الجميلة وعمرها 39 عاما وفي الجنازة كنت طفلا واقفا لا أعرف ما معنى الموت، أمى اسمها عطيات الله وعجائز مدينتنا أطلقن عليها هذا اللقب، ووسط اللطم حتى الإغماء والبكاء والنسوة المتشحات بالسواد حضرت سيدة جليلة وسكت الجميع لأنها لا تحضر لأي جنازة، وتربعت على الكنبة وتلهفن جميعا لصوتها فترنمت باكية: “ الدود يقول للدود تاكل الحواجب ولا العيون السود”، وانفجرت الدموع أنهاراً على سلالم بيتنا القديم.

أم محمود الشريفة كانت لا تعرف القراءة والكتابة وهي أكثر بلاغة من هوميروس والخنساء.

هؤلاء هم آبائي الحقيقيون في الكتابة، وإن كان هذا لا يمنع من أنني قرأت لكتاب عالميين وعرب مثل، ديستويفسكي وشتاينبك وزولا وماركيز ومستجاب ومحفوظ وهيمنجواي وغيرهم.

*في مجموعتك البابا مات قصة قصيرة بعنوان “مشانق البامية الخضراء” عن المهمشين والعشوائيات ما معنى ذلك؟

**سكان العشوائيات يشبهون ضفيرة البامية الخضراء عند تنشيفها، متلاصقة في حبال، يولدون خضرا أنقياء، ويدخل سم الإبرة في قلوبهم ليتراصوا في أماكن ضيقة تحنطهم وتقتلهم، إنهم مثل البامية المجففة متلاصقين وموتى!.

*هل الصحافة الثقافية لها تأثير قوي في المشهد الأدبي الحالي؟

**حاليا لا أعتقد ودورها تراجع كثيراً وإن كنت أعتقد بأن هناك أدباء بلا وزن صنعتهم صفحات الثقافة مع أنهم بلا قيمة حقيقية.

*هل تعتقد بأن مجمعات الفيس بوك لها صدى في الشارع الثقافي؟

**الفيس بوك ووسائل التواصل فرصة ليعبر الناس عن رأيهم بحرية، وأعتقد بأنها قامت بدورها جيداً في فضح السرقات والاقتباسات المسكوت عنها في عالم الصفوة وهذا جيد.

*هل تغير الجوائز نظرة الكتاب لمشروعاتهم الأدبية ؟

**نعم .. لدرجة أن البعض سألني هل هناك مواصفات معينة للرواية لتفوز بجائزة؟. والحقيقة لم يكن عندي إجابة وعندما كتبت “الكحكح” لم أفكر أبدا في جائزة لكنها فازت.

*لك رأي بأن جائزة الطيب صالح أهم جائزة عربية بل أهم من البوكر نفسها؟

**الطيب صالح جائزة نوبل العرب ربما لأن الإخوة السودانيين بينهم رهبان نذروا أنفسهم لإبعاد لجان التحكيم عن المجاملات والشللية والعنصرية.

*ماذا تضيف الجائزة للكاتب؟

**تضيف الكثير، المال وهو ضروري للكاتب ليستمر بعيداً عن ضغوط وإرهاق السلطة، والترجمة وهي ضرورية للانطلاق لآفاق بعيدة،

والطباعة الرخيصة ليكون العمل في متناول الجميع.

وكذلك يدفع الفوز بالجائزة الكثيرين لقراءة الأعمال السابقة للأديب وإعادة اكتشافه.

*كيف تنتقي أفكارك وكيف تعمل عليها؟

**كل أفكاري للكتابة من الحياة، أنا لا أكتب من الخيال فقط، ولا بد من أن أستند للواقع، عندي تجارب عديدة أعيد صياغتها في عالم الخيال.


*هل لك طقوس معينة في القراءة والكتابة؟

**أكتب في الخامسة صباحاً وأستمر ثلاث ساعات حتى الثامنة، وأقرأ يوميا أربع ساعات وأحرص على المشي ساعة.

أنا لا أخطط للرواية عند كتابتها وأتركها تمضي لتكتشف العالم، وتلك أصعب أساليب الكتابة، لكنني أتقنها وأفاجأ بنتائجها على الورق.

**في رأيك، ما هي أهم مدارس الكتابة بعد الواقعية السحرية وما بعد الحداثة؟

*أعتقد بأن موضوع الرواية ينادي كاتبها بأسلوب يناسبها، تلك هي المعضلة الرئيسة عند الكتابة؛ البحث عن الأسلوب الأمثل للكتابة، ماركيز قضى ثلاث سنوات وأمامه مئة عام من العزلة منتهية ولا يعرف ما العيب فيها حتى اكتشف أنها يجب أن تروى بأسلوب جدته التي تعيش مع العفاريت والجن والملائكة والموتى مثلما تعيش مع أولادها وقطتها والكلب وتتحدث معهم.