أدب العجائز وفرصة الغرام الأخير

ثقافة 2023/03/08
...

ضحى عبدالرؤوف المل

يميل الروائي” حسن داوود”  في روايته “فرصة لغرام أخير”  إلى تصوير العزلة المرتبطة بأفكار الوحدة والضعف،  وبلوغ العمر غير المثير في الحياة . فمسار عزلة الكورونا هو الانقطاع الاجتماعي عن الآخرين وذيوله على النفس .إذ اتضح من النافذة التي يطل منها عزت على البناية الأخرى أنها لتصوير بلوغ سن الشيخوخة،  ومخاوف المسن من الوقوع في الحب “كأنني صدَّقت تلك الحكاية التي بقيت حاملاً إياها في صغري، وهي أنَّ من يكبرون في العمر يكفيهم أنْ يعيشوا على ذكرياتهم . “مما يؤدي إلى تأملات أساسية من خلال تحليل الصور الأدبية ، واستكشافها كجزء من حياة المُسن،  والتحديات التي تفرضها جرأته أو ذاته المجزّأة،  وهو يتناول مسألة ما وصل إليه من تغيُّرات في الشكل يطرحها “حسن داوود “ بأسلوب غير معقد،  وهو يجمع بين العزلتين متحدثاً بلسان” هي “و”هو” والمتكلم عزت  وآثار البعد الزمني على الإنسان المتقدم بالعمر الذي يحتاج للغرام أو الأصح الأنس،  والإحساس بوجود الآخر،  ومتابعة حياة الآخرين وتفاصيلها،  وإنْ من النافذة التي تطلُّ على بيوت الآخرين،  وهذا رأيناه في الكثير من الأعمال الأدبية والأفلام السينمائية أبرزها أعمال بروست. فهل فرصة لغرام أخير هي الطريقة الوحيدة للعيش هانئاً في حياة ستمتد طويلاً ؟ أم أنَّ أدب العجائز يعكس الحكاية التي كان عزت يحملها منذ صغره”  وهي أن من يكبرون في العمر يكفيهم أن يعيشوا على ذكرياتهم.؟ وهل الازدواجية في الرواية بين عزت والسا هي زاوية من زوايا العلاقة التي يرفضها الإنسان علنياً في نهاية العمر فيكتفي بالتلصُّص على حياة الآخرين وإقامة العلاقات السرية خوفاً من المحيط الاجتماعي ؟ أم أنَّ المراهقة في سنِّ الشيخوخة هي الأجمل ؟ 

تعيش شخصيات رواية (فرصة لغرام أخير) أزمة عمرية كشفها وباء الكورونا “بأن رحت أملأ الفراغ الذي يخلِّفه تضاؤل الناس من حولي”،  لكنها في حقيقة الأمر العزلة التي يحتاج فيها الإنسان إلى محو الندوب المؤثِّرة التي تصيبه من ضعف ذاكرة أو انحناء وتدهور في الآداء الجنسي،  والكرب المرتبط من كل هذه المخاوف التي تجتمع في “فرصة لغرام أخير”  حيث الشيخوخة بمحدودية النص الأدبي ، والنهج البنَّاء في السرد المحقِّق للهدف وهي العلاقة مع الآخر في سن الشيخوخة وأولئك الذين يعيشون عزلة نهاية العمر كتجربة إنسانية تحمل في طيّاتها المعنى الكاريكاتوري الخفي في الكثير من المواقف أو حتى ما يمر من ذكريات “أكثر ما يغيره العمر في النساء هو عيونهن.ذاك الذعر الذي يحل في نظرتهما” فاستحضار الشيخوخة في الرواية  يعزز إنكار الذات في هذه المرحلة العمرية التي يحتاج فيها الإنسان للآخر وبشدة في مجتمع شديد الإنكار لاحتياجات من يصاب بتدهور جسدي ونفسي. فهل فكَّر حسن داوود بمسألة الشيخوخة أم أنها الفكرة المهيمنة على العزلة بمعانيها المختلفة التي يصاب بها الإنسان وهي أكثر خطورة من الوباء نفسه الذي هجره عزت بعد علاقته بالمرأة التي تلصَّص عليها من نافذة في بناية هي أمامه تشبه الحياة بتفاصيلها المفزة في عمر الشيخوخة ؟ 

العمر وهواجسه في رواية من دون رتوش بمعنى تجميل المرحلة العمرية.   إظهارها تماماً بتقلباتها بعيداً عن الوهن والحزن والمرض والرؤى الخاطئة عن المُسن. بل عن طيب خاطر ويتفق مع علم الاجتماع وعلم نفس الشيخوخة تحديداً وبعيداً عن إثارة الشفقة ، أو الإغواء للشباب أو التصابي. بمعنى العجوز الذي يسعى لإرضاء الشابّات المِغناج.  فهو اليقظ لأحاسيسه وإنْ أصابه الارتياب واحتاج للتشجيع من صديقه تامر لاستكمال ما يقوم به من البحث عن الأنس والمشاركة بالحياة مع الآخر الذي يحتاج له بعيداًعن  التضاؤل والانكماش،  ومشكلات الجسد التي تُرسم في الحياة على أنها موت بطيء للإنسان والتزامن العمري مع الآخرين،  وما يشعرون به في هذه المرحلة العمرية من حياة الإنسان .  فهو يؤكد على حقيقة اجتماعية مختلفة تماماً عن المراهقة وأزمة الشباب  وحدهم كبار السن من يشعرون بها،  وقد خاضها “حسن داوود”  بجرأة روائية أراد منها تجديد أدب الشيخوخة والكلام عن مرحلة حسّاسة من عمر الرجل والمرأة معاً. فهل رواية “فرصة لغرام أخير”  هي تجديد لأدب الشيخوخة في الرواية العربية ؟  أم أن للفكاهةِ فيها نصيبَها المبطَّن الذي يجعلك تبتسم وأنت تقرأ “فرصة لغرام أخير” ؟